الأحد، 8 يناير 2012

الإيمان باعث النهضة ووقود البناء

الجمعة 23-12-2011

المقدمة

الموضوع

إن الأمم لا تنهض من كبوة، ولا تقوى من ضعف، ولا ترتقي من هبوط، إلا بعد تربية أصيلة حقة، وإن شئت فقل: بعد تغيير نفسي عميق الجذور، يحول الهمود فيها إلى حركة، والغفوة إلى صحوة، والركود إلى يقظة، والفتور إلى عزيمة، والعقم إلى إنتاج، والموت إلى حياة. تغيير في عالم الناس أشبه ما يكون «بثورة أو انقلاب» تغيير يحول الوجهة والأخلاق، والميول والعادات. تغيير يبلغ في النفس مبلغه ومداه ومن غيره تكون النهضة حبراً على ورق، أو كلاماً أجوف يتبدد في الهواء.

سنة قائمة من سنن الله تعالى في الكون، قررها القرآن الكريم في عبارة وجيزة بليغة: (إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم).
ولكن هذا التغيير أمر ليس بالهين اليسير، إنه عبء ثقيل تنوء به الكواهل، فإن الإنسان مخلوق مركب معقد، ومن أصعب الصعب تغيير نفسه أو قلبه، أو فكره.

إن التحكم في مياه نهر كبير، أو تحويل مجراه، أو حفر الأرض، أو نسف الصخور، أو أي تغيير في معالم الكون المادي أسهل بكثير من تغيير النفوس، وتقليب القلوب والأفكار.

إن بناء المصانع والمدارس والسدود والمنشآت سهل ومقدور عليه، ولكن الأمر الشاق حقاً هو بناء الإنسان .. والإنسان القادر على نفسه، المتحكم في شهواته، الذي يعطي الحياة كما يأخذ منها، ويؤدي واجبه كما يطلب حقه، الإنسان الذي يعرف الحق ويؤمن به ويدافع عنه، ويعرف الخير ويحبه للناس كما يحبه لنفسه، ويتحمل تبعته في إصلاح الفساد. والدعوة إلى الخير، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، وتضحية النفس والمال في سبيل الحق.

إن صنع هذا الإنسان أمر عسير غير يسير.

ولكن الإيمان وحده هو صانع العجائب، الإيمان هو الذي يهيئ النفوس لتقبل المبادئ الخيرة مهما يكمن وراءها من تكاليف وواجبات، وتضحيات ومشقات، وهو العنصر الوحيد الذي يغير النفوس تغييراً تاماً، وينشئها خلقاً آخر. ويصبها في قالب جديد، فيغير أهدافها وطرائقها، ووجهتها وسلوكها وأذواقها ومقاييسها، ولو عرفت شخصاً واحداً في عهدين -عهد الكفر وعهد الإيمان- لرأيت الثاني شخصاً غير الأول تماماً، لا يصل بينهما إلا الاسم، أو النسب أو الشكل.

والإيمان كذلك لا يعترف بالمراحل والأعمار التي وضعها علماء النفس والتربية، واشترطوها لنجاح المجهود التربوي.

إنهم يقررون أن هناك سناً معينة هي سن القبول لتكوين العادات، واكتساب الصفات، وتهذيب الطباع والأخلاق، تلك هي سن الطفولة، فإذا كبر المرء أو المرأة على صفات خاصة فهيهات أن يحدث فيها تغيير يذكر، فمن شب على شيء شاب عليه، ومن شاب على شيء مات عليه.

وينفع الأدب الأحداث في صغر

وليس ينفع عند الشيبة الأدب

إن الغصون إذا قومتها اعتدلت

ولن تلين إذا قومتها الخشـب

ولكن هناك شيئاً واحداً تخطى قواعد التربويين والنفسيين. ذلك هو الإيمان، هو الدين، فالإيمان إذا سكن في قلب، وتغلغل في أعماقه، حول اتجاهه، وغير نظرته للكون والحياة، وأحكامه على الأشياء والأعمال، وعدل سلوكه مع الله والناس، ولم يقف في سبيل ذلك فتوة الشباب، ولا كهولة الكهول، ولا هرم الشيوخ.

سحرة فرعون حين آمنوا

هل أتاك حديث سحرة فرعون، الذي قص القرآن علينا قصتهم؟ .. اقرأ هذه الآيات من سورة الشعراء: (فألقى عصاه فإذا هي ثعبان مبين * ونزع يده فإذا هي بيضاء للناظرين * قال للملأ حوله إن هذا لساحر عليم * يريد أن يخرجكم من أرضكم بسحره فماذا تأمرون * قالوا أرجه وأخاه وأبعث في المدائن حاشرين * يأتوك بكل سحار عليم * فجمع السحرة لميقات يوم معلوم * وقيل للناس هل أنتم مجتمعون * لعلنا نتبع السحرة إن كانوا هم الغالبين * فلما جاء السحرة قالوا لفرعون أئن لنا لأجراً إن كنا نحن الغالبين * قال نعم وإنكم إذن لمن المقربين * قال لهم موسى ألقوا ما أنتم ملقون * فألقوا حبالهم وعصيهم وقالوا بعزة فرعون إنا لنحن الغالبون * فألقى موسى عصاه فإذا هي تلقف ما يأفكون * فألقي السحرة ساجدين * قالوا آمنا برب العالمين * رب موسى وهارون * قال آمنتم له قبل أن آذن لكم * أنه لكبيركم الذي علمكم السحر فلسوف تعلمون، لأقطعن أيديكم وأرجلكم من خلاف ولأصلبنكم أجمعين * قالوا لا ضير، إنا إلى ربنا منقلبون * إنا نطمع أن يغفر لنا ربنا خطايانا أن كنا أول المؤمنين) (الشعراء: 32 - 51).

وفي سورة طه يحكي الله تهديد فرعون لهم: (فلأقطعن أيديكم وأرجلكم من خلاف ولأصلبنكم في جذوع النخل ولتعلمن أينا أشد عذاباً وأبقى قالوا لن نؤثرك على ما جاءنا من البينات، والذي فطرنا، فاقض ما أنت قاض، إنما تقضي هذه الحياة الدنيا * إنا آمنا بربنا ليغفر لنا خطايانا وما أكرهتنا عليه من السحر، والله خير وأبقى) (طه: 71 - 73).

كيف تغيرت شخصياتهم؟ كيف انقلبت موازينهم؟

كانت هممهم مشدودة إلى المال (أئن لنا لأجراً) وكانت آمالهم منوطة بفرعون (بعزة فرعون إنا لنحن الغالبون).

هذا منطقهم قبل أن يؤمنوا … فلما ذاقوا حلاوة الإيمان كان جوابهم على التهديد والوعيد في بساطة ويقين: (لن نؤثرك على ما جاءنا من البينات)(لاضير إنا إلي ربنا منقلبون )(لن نؤثرك علي ماجائنا من البينات ).
وبعد أن كانوا يحلفون بعزه فرعون صاروا يقولون
(والذي فطرنا).

بعد أن كان همهم الدنيا صار همهم الآخرة (فاقض ما أنت قاض إنما تقضي هذه الحياة الدنيا )
تغير الاتجاه … تغير المنطق … تغير السلوك … تغيرت الألفاظ … أصبح القوم غير القوم … وما ذلك إلا من صنع الإيمان.

تأثير الإسلام في نفسية العرب

وفي القصة القصيرة التي رواها الإمام مسلم في صحيحة برهان مبين على مبلغ أثر الإيمان، ذلك أن رجلاً كان ضيفاً على النبي صلى الله عليه وسلم فأمر له بشاة فحلبت، فشرب حلابها، ثم أمر له بثانية فشرب حلابها ثم بثالثة فرابعة ... حتى شرب حلاب سبع شياه، وبات الرجل، وتفتح قلبه للإسلام، فأصبح مسلماً، معلناً إيمانه بالله ورسوله، وأمر الرسول له في الصباح بشاة فشرب حلابها ثم أخرى لم يستتمه، وهنا قال الرسول صلى الله عليه وسلم كلمته المأثورة: "إن المؤمن ليشرب في معي واحد والكافر ليشرب في سبعة أمعاء".

فيما بين يوم وليلة استحال الرجل من شره ممعن في الشبع، حريص على ملء بطنه، إلى رجل قاصد عفيف قنوع، ماذا تغير فيه؟.. تغير فيه قلبه، كان كافراً فأصبح مؤمناً، وهل هناك أسرع أثراً من الإيمان؟

إن الإيمان الجديد أشعر الرجل بغاية ورسالة، وفروض وواجبات، ونفذ ذلك إلى أعماقه نفوذاً جعله ينسى هم أمعائه، ويعرض عن الإمعان في الطعام والشراب، وليست هذه حادثة فردية، أو واقعة شاذة، فهل يمكن أن ننكر أو ننسى ما فعله الإيمان بأمة العرب جميعاً؟
لقد حار المؤرخون من الغربيين والمستغربين، في فهم السر العجيب الذي حول هذا الأمة من رعاة غنم إلى رعاة أمم، ومن قبائل بداوة إلى أمة حضارة، وهيأ لها سبيل النصر على كسرى وقيصر، وفتح لها باب السيادة على معظم الدنيا القديمة في عشرات من السنين لا عشرات من القرون.

ولكن العارفين لا يدهشون ولا يحارون، فالسر معروف، والسبب معلوم. إن مرده هو «إكسير» الإيمان الذي صبه محمد عليه السلام في نفوس أصحابه، فنقلهم من حال إلى حال، من وثنية إلى توحيد، ومن جاهلية إلى إسلام.

عمر والخنساء بين الجاهلية والإسلام

وحسبنا مثلاً على هذا التحول الخطير رجل وامرأة عرف أمرهما في الجاهلية وعرف أمرهما في الإسلام.

الرجل هو "عمر بن الخطاب" الذي رووا أنه بلغ في جاهليته من انحراف العقل، أن عبد إلهاً من الحلوى ثم جاع يوماً فأكله، ومن انحراف العاطفة، أن وأد بنتاً له صغيرة كانت تمسح الغبار عن لحيته وهو يحفر لها مكانها في التراب.

عمر هذا ينتقل من الجاهلية إلى الإسلام، فيتحرر عقله حتى يقطع شجرة الرضوان التي بايع النبي أصحابه يوم الحديبية تحتها خشية أن يطول الزمن بالناس فيقدسوها، ويقف أمام الحجر الأسود بالكعبة فيقول: أيها الحجر، إني أقبلك وأنا أعلم أنك حجر لا تضر ولا تنفع، ولولا أنى رأيت رسول الله يقبلك ما قبلتك.

وعمر هذا ... يبلغ من سمو عاطفته، ورقة قلبه، وخشيته لله، ما ملأ صفحات التاريخ بآيات الرحمة الشاملة للمسلم وغير المسلم، بل للإنسان والحيوان، حتى قال: لو عثرت بغلة بشط الفرات لرأيتني مسئولاً عنها أمام الله ... لِمَ لَمْ أسوِّ لها الطريق؟

هذا هو الرجل.

أما المرأة فهي الخنساء .. المرأة التي فقدت في جاهليتها أخاها لأبيها «صخراً» فملأت الآفاق عليه بكاءً وعويلاً، وشِعراً حزيناً، ترك الزمن لنا منه ديواناً كان الأول من نوعه في شعر المراثي والدموع:

يذكرني طلوع الشمس صخراً

وأذكره بكل غروب شمس

ولولا كثرة الباكين حـولي

على إخوانهم لقتلت نفسي

ولكننا بعد إسلامها نراها امرأة أخرى ... نراها أماً تقدم فلذات أكبادها إلى الميدان، أي إلى الموت، راضية مطمئنة، بل محرضة دافعة...
روى المؤرخون أنها شهدت حرب القادسية بين المسلمين والفرس تحت راية القائد «سعد بن أبي وقاص»، وكان معها بنوها الأربعة، فجلست إليهم في ليلة من الليالي الحاسمة، تعظهم وتحثهم على القتال والثبات، وكان من قولها لهم:
"أي بني، إنكم أسلمتم طائعين، وهاجرتم مختارين، والذي لا إله إلا هو إنكم لبنو رجل واحد كما أنكم بنو امرأة واحدة، ما خنت أباكم، ولا فضحت خالكم، ولا هجّنت حسبكم، ولا غيرت نسبكم، وقد تعلمون ما أعد الله للمسلمين من الثواب الجزيل في حرب الكافرين، واعلموا أن الدار الباقية خير من الدار الفانية، والله تعالى يقول: (يا أيها الذين آمنوا اصبروا وصابروا ورابطوا واتقوا الله لعلكم تفلحون) (آل عمران: 200)، فإذا أصبحتم غداً إن شاء الله سالمين فاغدوا إلى قتال عدوكم مستبصرين، وبالله على أعدائكم مستنصرين، فإذا رأيتم الحرب قد شمرت عن ساقها فتيمموا وطيسها، وجالدوا رئيسها، تظفروا بالغنم في دار الخلد...".

فلما أصبحوا باشروا القتال بقلوب فتية، وأنوف حمية، إذا فتر أحدهم ذكَّره اخوته وصية الأم العجوز، فزأر كالليث، وانطلق كالسهم، وانقض كالصاعقة، ونزل كقضاء الله على أعداء الله، وظلوا كذلك حتى استشهدوا واحداً بعد واحد.

وبلغ الأم نعي الأربعة الأبطال في يوم واحد، لم تلطم خداً، ولم تشق جيباً، ولكنها استقبلت النبأ بإيمان الصابرين، وصبر المؤمنين، وقالت: "الحمد لله الذي شرفني بقتلهم، وأرجو من ربي أن يجمعني بهم في مستقر رحمته".

ما الذي غير عمر القديم وصنع عمر الجديد؟

وما الذي غير خنساء النواح والبكاء إلى خنساء التضحية والفداء؟

إنه صانع المعجزات ... إنه الإيمان!!

المفتاح الفذ لأقفال الحياة

قال الأستاذ الكبير أبي الحسن الندوي في حديث شاعري بينه وبين نفسه عند غار حراء في مكة المكرمة:

"لقد كانت الحياة كلها أقفالاً معقدة، وأبواباً مقفلة، كان العقل مقفلاً أعيا فتحه الحكماء والفلاسفة، كان الضمير مقفلاً أعيا فتحه الوعاظ والمرشدين، كانت القلوب مقفلة أعيا فتحها الحوادث والآيات، كانت المواهب مقفلة أعيا فتحها التعليم والتربية والمجتمع والبينة،

وفي هذا المكان المتواضع، المنقطع عن العالم المتمدن، على جبل ليس بمخصب ولا بشامخ تم ما لم يتم في عواصم العالم الكبيرة ومدارسه الفخمة ومكتباته الضخمة. وهنا مَنَّ الله على العالم برسالة محمد صلى الله عليه وسلم، وفي رسالته عاد هذا المفتاح المفقود إلى الإنسانية، ذلك المفتاح هو (الإيمان بالله والرسول واليوم الآخر) ففتح به هذه الأقفال المعقدة قفلاً قفلاً، وفتح به هذه الأبواب المقفلة باباً باباً، وضع هذا المفتاح النبوي على العقل الملتوي فتفتح ونشط واستطاع أن ينتفع بآيات الله في الآفاق والأنفس، ويتوصل مع العالم إلى فاطره، وضع هذا المفتاح على الضمير الإنساني النائم فانتبه، وعلى الشعور الميت فانتعش، وعاش، وتحولت النفس الأمارة بالسوء مطمئنة لا تسيغ الباطل ولا تتحمل الإثم حتى يعترف الجاني أمام الرسول بجريمته ويلح على العقاب الأليم الشديد، وترجع المرأة المذبة إلى البادية حيث لا رقابة عليها ثم تحضر المدينة وتعرض نفسها للعقوبة التي هي أشد من القتل. ويحمل الجندي الفقير تاج كسرى ويخفيه في لباسه ليستر صلاحه وأمانته عن أعين الناس ويدفعه إلى الأمير لأنه مال الله الذي لا يجوز الخيانة فيه.

كانت القلوب مقفلة لا تعتبر ولا تزدجر ولا ترق ولا تلين فأصبحت خاشعة واعية تعتبر بالحوادث وتنتفع بالآيات، وترق للمظلوم وتحنو على الضعيف.
وضع هذا المفتاح على القوى المخنوقة والمواهب الضائعة فاشتعلت كاللهيب وتدفقت كالسيل، واتجهت الاتجاه الصحيح، فكان راعي الإبل راعي الأمم وخليفة يحكم العالم وأصبح فارس قبيلة وبلد، قاهر الدول وفاتح الشعوب العريقة في القوة والمجد.

أبرز رسول الله صلى الله عليه وسلم برسالته ودعوته الفرد الصالح المؤمن بالله، الخائف من عقاب الله، الخاشع الأمين، المؤثر للآخرة على الدنيا، المستهين بالمادة المتغلب عليها بإيمانه وقوته الروحية، يؤمن بأن الدنيا خُلقت له وأنه خُلق للآخرة، فإذا كان هذا الفرد تاجراً فهو التاجر الصدوق الأمين، وإذا كان فقيراً فهو الرجل الشريف الكادح، وإذا كان عاملاً فهو العامل المجتهد الناصح، وإذا كان غنياً فهو الغني السخي المواسي، وإذا كان قاضياً فهو القاضي العادل الفهم، وإذا كان والياً فهو الوالي المخلص الأمين، وإذا كان سيداً رئيساً فهو الرئيس المتواضع الرحيم، وإذا كان خادماً أو أجيراً فهو الرجل القوى الأمين، وإذا كان أميناً للأموال العامة فهو الخازن الحفيظ العليم. وعلى هذه اللبنات قام المجتمع الإسلامي وتأسست الحكومة الإسلامية في بدورها، ولم يكن المجتمع والحكومة بطبيعة الحال إلا صورة مكبرة لأخلاق الأفراد ونفسيتهم، فكان المجتمع مجتمعاً صالحاً أميناً مؤثراً للآخرة على الدنيا متغلباً على المادة غير محكوم لها، انتقل إليه صدق التاجر وأمانته، وتعفف الفقير وكدحه، واجتهاد العامل ونصحه، وسخاوة الغني ومواساته، وعدل القاضي وحكمته، وإخلاص الوالي وأمانته، وتواضع الرئيس ورحمته، وقوة الخادم، وحراسة الخازن، وكانت هذه الحكومة حكومة راشدة ومؤثرة للمبادئ، على المنافع، والهداية على الجباية، وبتأثير هذا المجتمع وبنفوذ هذه الحكومة وجدت حياة عامة، كلها إيمان وعمل صالح، وصدق وإخلاص، وجد واجتهاد، وعدل في الأخذ والعطاء، وإنصاف النفس مع الغير.

وقد ذهلت في حديثي لنفسي، وتمثلت إلى الجماعات الإسلامية الأولى بحملها وتفاصيلها كأني أشاهدها وأتنفس في جوها وانقطعت الصلة بيني وبين العالم المعاصر.

وحانت مني التفاتة إلى هذا العصر الذي نعيش فيه فقلت: إني لأرى أقفالاً جديدة على أبواب الحياة الإنسانية وقد قطعت الحياة مراحل طويلة وخطت خطوات واسعة وتعقدت الحياة والتوت وتطورت المسائل وتنوعت، وتساءلت: هل يمكن فتح هذه الأقفال الجديدة بذلك المفتاح العتيق؟ وأبيت أن أحكم بشيء، هل أختبر هذه الأقفال وأضع عليها المفتاح، ولمست هذه الأقفال بالبنان فإذا هي الأقفال القديمة بتلوين جديد، وإذا المشاكل نفس مشاكل العصر القديم، وإذا المشكلة الكبرى وأساس الأزمة هو الفرد الذي لا يزال لبنة المجتمع وأساس الحكومة،

إننا لا ننكر أهمية المجتمع الصالح، بل ضرورته لتنشئة الفرد الصالح، ولكن المجتمع إن هو -في الواقع- إلا بناء لبناته الأفراد، فإذا لم تصلح اللبنات في نفسها لم يتصور أن يقوم عليها بنيان سليم.

لبنات المجتمع هي أنا وأنت وهو وهي، فإذا صلحت أنفسنا صلح المجتمع كله، ومفتاح هذا الصلاح النفسي والخلقي شيء واحد هو الإيمان.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق