خطبة التاسع والعشرين من شهر سبتمبر للعام 2011
العنوان : وقفات
المقدمة :
الحمد لله فاطر السموات والأرض جاعل الظلمات والنور ثم الذين كفروا بربهم يعدلون .
الحمد لله الذي خلقكم فمنكم كافر ومنكم مؤمن والله بما تعملون بصير .
وأشهد أن لا اله إلا الله وحده لا شريك له ، له الملك وله الحمد يحيي ويميت وهو حي لا يموت بيده الخير وهو علي كل شيء قدير ، سبحانه وتعالي له الخلق والأمر وإليه المرجع والمصير .
وأشهد أن سيدنا محمدا رسول الله ، خير نبي وأشرفه وأذكاه ،اللهم اجزه عنا بأفضل ما جازيت به نبيا عن أمته ، ورسولا عن دينه ودعوته ورسالته ، اللهم وصلي عليه وعلي آله وصحابته ، اللهم وأعلي علي جميع الدرجات درجته ، اللهم وأوردنا حوضه واحشرنا تحت لوائه وفي زمرته .
اللهم إليك نشكو قسوة قلوبنا وفساد نفوسنا وتقصيرنا في طاعتك وغفلتنا عن ذكرك ، فاللهم اغفر وارحم وتجاوز عما أنت به اعلم واهدنا بفضلك الطريق الأقوم انك أنت مولانا الأعز الكرم .
(يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله ولتنظر نفس ما قدمت لغد واتقوا الله إن الله خبير بما تعملون ، ولا تكونوا كالذين نسوا الله فأنساهم أنفسهم أولئك هم الفاسقون ، لا يستوي أصحاب النار وأصحاب الجنة أصحاب الجنة هم الفائزون )
أحبتي في الله : في لقائي الأول بكم أحب أن أبعث إليكم بعاطفة ثم أقف بعدها معكم وقفات يكن لها ما بعدها ، فأما العاطفة فهي قول الشاعر
إن يبل مصطنع الإخاء فإننا نغدو ونصبح في إخاء تالد
أو يختلف ماء الغمام فماؤنا عزب تحدر من غمام واحد
أو يفترق نسب يؤلف بيننا دين أقمناه مقام الوالد
فالحمد لله علي نعمة الإسلام ، والحمد لله علي نعمة التآخي في الله
كانت هذه هي العاطفة ، وأما الوقفات : فهي معان ثلاث ، نختبر بها ما الذي ودعنا به رمضان ، ونقدم بها للمقبل من الأيام ونهيئ بها للتالي من اللقاءات إن كتب الله لنا اللقاء .
ووقفاتنا هي مع (ميلادان ، وغذاءان ، وأثران )
ميلادان
قضي رسولنا –ص- أربعين سنة من عمره في مكة المكرمة واسمه محمد بن عبد الله ولقبه الناس الصادق الأمين ، حتي لقيه جبريل فتغير كل شيء
فمن يومها تغير الاسم إلي محمد رسول الله ، وتغيرت ملامح الحياة نزلت عليه يا أيها المزمل قم ، ويا أيها المدثر قم ، فقام ولم يقعد حتي وجه لزوجه الكريم قولته الشهيرة (مضي عهد النوم يا خديجة)
يقول الإمام بن القيم ، وكان رسول الله حين لقيه جبريل ولد ولادة ثانية ، فصار لزاما علي كل مسلم أن يولد مرتين ، فهل تم الميلاد الثاني لك ؟!
الميلاد الثاني يا إخواني لن يكون بنزول الوحي ، ولكن يكون بالتعلق بما انزله الوحي علي رسولنا الكريم –ص-
الميلاد الثاني ميلاد الالتزام بالإسلام في تفاصيل الحياة
الميلاد الثاني ميلاد الالتزام بالإسلام في حديثك
الميلاد الثاني ميلاد الالتزام بالإسلام في سلوكك
وبخاصة وانتم أصحاب الرسالة في هذا المجتمع ، وبكم تقام الحجة عليهم بوصولهم الرسالة ، أو تقام الحجة عليكم بكتمان الرسالة ، وتضييع الأمانة التي عرضها الله سبحانه علي السموات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الإنسان انه كان ظلوما جهولا .
فضالة ، رجل من قريش ، كان يضمر الشر للإسلام وأهله ورسوله ، غاظه دخول الرسول الكريم مكة فاتحا ، فقرر قتل الرسول –ص- ، وكانت هناك امرأة يجالسها ، فمر عليها وقال لها لتسمعن اليوم خبرا يهز مكة بأسرها ، ثم تركها وتوجه إلي البيت الحرام باحثا عن رسول الله ، فرآه طائفا بالبيت ، فاخذ يطوف ويقترب شيئا فشيئا من الرسول حتي أصبح خلفه ، فالتفت إليه الرسول –ص- وقال له يا فضالة : فيم تحدثك نفسك ، فاهتز الرجل ، وتصبب عرقه ، وقال تحدثني بالإسلام يا رسول الله ، فقال له الرسول الكريم العظيم : كلا يا فضالة ، تريد أن تقتلني ،
فذهل الرجل وهو الذي لم يحدث بنيته بشرا غير نفسه ، فأيقن أنها الرسالة ، ثم قال : أهو الوحي يا رسول الله ، فقال الرسول –ص- : بلي يا فضالة انه الوحي ، فأسلم الرجل ، ثم مسح الرسول علي صدره ودعا له ، خرج سيدنا فضالة من البيت الحرام بغير الوجه والقلب والبدن الذي أتي بهما ،ولد الإيمان في قلبه ، وإذ بالمرأة أمامه ، فقالت له : هيا فضالة
فقال لها : كلا ، يأبي الله ويأبي الإسلام
الرجل ما أسلم إلا الآن ، ولم يفصل له احد ماذا يأتي أو ماذا يدع ، ولكنه الميلاد الثاني يولد الخير في نفسه ، ويوجهه إلي ما فيه صلاح أمره واستقامة توجهه إلي الله
يقول لعاداته : يأبي الله ويأبي الإسلام
كم مرة قلناها ونحن المسلمون منذ الميلاد
يأبي الله ويأبي الإسلام
كم مرة قلناها حينما تتعرض الفتن لنا
كم مرة قلنها لعادة جارية ، أو لذة عابرة ، أو شهوة حاضرة ، أو فعلة منكرة
يا إخواني بالله عليكم ، إياكم أن تفضحوا الإسلام ، في بلاد انتم فيها الإسلام
أترضون للإسلام أن يتهم ، أترضون للإسلام أن ينتقص ، الم يأتكم خبر الصديق رضي الله عنه يوم قال (أينقص الدين وأنا حي ) فكيف الحال إذا كنا نحن الذين ننتقص منه بأيدينا .
الم يأتكم نبأ المقداد بن عمرو ، يوم أن اقسم (والله لأموتن والإسلام عزيز )
بالله عليكم رددوا هذا القسم ، علموه زوجاتكم وأبنائكم ، قولوها واشهدوا الله عليها
والله لأموتن والإسلام عزيز في نفسي وسلوكيي
والله لأموتن والإسلام عزيز في بيتي وأهلي
والله لأموتن والإسلام عزيز في عائلتي وجاليتي
والله لأموتن والإسلام عزيز في شركتي ومدينتي
واعلموا أن المسيح عليه السلام ، كان يقول لأصحابه (لن تلجوا ملكوت السموات والأرض حتي تولدوا مرتين ) فاحرصوا علي أن يتم الميلاد الثاني لكم .
غذاءنا
خلق الله سبحانه وتعالي بني البشر من قبضتين ، قبضة من طين هذه الأرض ، وقبضة من نوره سبحانه
قبضة الطين خلق منها البدن ، وقبضة النور خلقت منها الروح
ثم وجد الإنسان في هذه الدنيا مركب من جسد وروح ، ولكل منهما له متطلباته (غذائه)
الجسد يحتاج إلي الطعام والشراب والكساء والدواء والمتعة والتملك ................، والروح لها طعامها ودوائها ومتعتها في أن تقتبس قبسات من الملأ الأعلى حيث العلي الأعلى سبحانه وتعالي ويترتب علي تلبية الاحتياجات حياة العضو أو مماته ، والإجابة علينا أن نستحضرها الآن
هل أغذي الروح كما اهتم بغذاء البدن من طيب المأكل والمشرب والملبس والمسكن والمركب وكماليات وتحسينات
إن نتيجة الإهمال في إشباع حاجات الروح أن تتحول أعضائنا إلي خادمة للجسد ، وهي التي خلقها الله لخدمة الجسد والروح ، فتصبح القلوب تفقه ولا تفقه ،(تفقه ما يريده البدن ولا تفقه ما تريده الروح )، وتصبح الأذن تسمع ولا تسمع ، وتصبح العين تري ولا تري
واستمعوا لإخبار الله عن وفد جهنم (ولقد ذرانا لجهنم كثيرا من الجن والإنس لهم قلوب لا يفقهون بها ولهم أعين لا يبصرون بها ، ولهم آذان لا يسمعون بها أولئك كالأنعام بل هم أضل أولئك هم الغافلون )
ما السبب : غابت الروح ففسدت الجوارح فسدت الدنيا ففسدت الآخرة
يقول الإمام بن تيمية : إن حاجة الناس إلي الشريعة أكبر من حاجتهم للطعام والشراب ، لأن غاية ما يقدر عند عدم الطعام والشراب فساد البدن ، وأما اقل ما يقدر عند عدم الشريعة هو فساد الدنيا ولآخرة )
يا إخواني :
أرواحنا تحتاج لأبدان لله عابدة ، ووجوه لعظمته ساجدة ، واعين من خشيته باكية ، وألسنة لنعمه شاكرة ولأسمائه ذاكرة .
ثم يا إخواني :
علينا أن نسأل أنفسنا ونحن القيمين علي أمر عوائلنا وبيوتنا ، ونحن المخاطبون من المولي سبحانه (قوا أنفسكم وأهليكم نارا )
هل أوقظهم لصلاة الفجر كما أوقظهم للدوام اليومي
هل نجتمع معا يوميا علي صلاة ، كما نجتمع معا يوميا علي طعام
هل أعلمهم كيف الفوز في الآخرة ، كما أعلمهم كيف النجاح في الدنيا
هل أصطحبهم معي في المسجد كما اصطحبهم معي في مناسبات الدنيا ومشاغلها
هل يشغل بالي أصلا أن أْأمن لهم آخرتهم ، كما أأمن لهم أمر دنياهم
فو الله إن العلاقة بالله هي الحياة وما سواها هي هموم الدنيا ونكدها وكدرها وربنا ينادينا
(يا أيها الذين امنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم ، واعلموا أن الله يحول بين المرء وقلبه وانه إليه تحشرون )
أثران
هناك ثلاث أنواع من كتاب الله
كتاب الله المنظور :(وهو الكون ) ولقد نزل في أول آيات القرآن إشارة له حين أمر الحبيب (اقرأ) وهو الأمي الذي لا يقرأ ولا يكتب ، ولكن الأمر كان (اقرأ باسم ربك الذي خلق ، خلق الإنسان من علق )
كتاب الله المسطور :وهو القرآن الكريم الذي انزله الله هداية ورحمة وشفاء
كتاب الله المتحرك –ص- الذي كان خلقه القرآن ، كان قرءانا يمشي علي الأرض
وباجتماع الأنواع الثلاثة تقوم الحجة علي الناس
الكتاب المنظور باق غلي يوم القيامة ، والكتاب المسطور محفوظ الي يوم القيامة ، والكتاب المتحرك توفي منذ ألف وأربعمائة سنة
والمطلوب ، أن يعيد المسلمون الكتاب المتحرك لئلا يكون للناس علي الله حجة بعد الرسل
لابد من أن يكون كل واحد منا شيء من القرآن يتحرك كل يوم
ينبغي أن يشم الناس فينا ريح رسول الله حين يلتقوننا، لابد أن يروا منا سلوك رسول الله حين يتعاملون معنا ، وكذا انتشر الإسلام في ربوع الدنيا ، من تعاليمه التي لم تكن تدرس بالكلمات، ولكنها كانت تغرس بالفعال ، وبذ ا أمرنا بمرسوم الآية الثالثة عشر من سورة الشورى
(شرع لكم من الدين ما وصي به نوحا والذي أوحينا إليك وما وصينا به إبراهيم وموسي وعيسي أن أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه كبر علي المشركين ما تدعوهم إليه الله يجتبي إليه من يشاء ويهدي إليه من ينيب )
أقول ما تسمعون ، واستغفر الله لي ولكم ، فاستغفروه
أحمدك ربي حق حمدك ، واشهد أن لا إله إلا أنت وحدك لا شريك لك في ملكك ، وأشهد سيدنا محمدا عبدك ورسولك ،
(رضيت بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد –ص- نبيا ورسولا )
يقول رسول الله –ص – من قالها ثلاثا حين يصبح وثلاثا حين يمسي ، كان حقا علي الله أن يرضيه .
نريد أن نخرج من جمعتنا بواجب عملي ، ليس فقط أن نقولها كل يوم ثلاثا حين نصبح وحين نمسي ، وليس فقط أن نعلمها زوجاتنا وأبنائنا ونذكرهم بقولها ، بل علينا أن نسأل أنفسنا كل يوم وقبل منامنا (هل تصرفاتي وسلوكيات اليوم تشهد لي باني حقا رضيت بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد نبيا ورسولا، هل يشهد لي أصدقائي وزملائي وأهلي بأني حقا اليوم رضيت بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد نبيا ورسولا ) فان كانت الإجابة خيرا فابشر بان الله اوجب علي نفسه أن يرضيك ، وإلا فتوبة تغسل الذنب ودمعة تغذي القلب ، والله سبحانه الهادي إلي سواء السبيل
تلكم كانت الخطبة بعاطفتها ، ووقفاتها الثلاث ميلادان ، وغذاءان ، وأثران ، وواجبها العملي (رضيت بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد –ص- نبيا ورسولا )ليس فقط أن نقولها كل يوم ثلاثا حين نصبح وحين نمسي ، وليس فقط أن نعلمها زوجاتنا وأبنائنا ونذكرهم بقولها ، بل علينا أن نسأل أنفسنا كل يوم وقبل منامنا (هل تصرفاتي وسلوكيات اليوم تشهد لي باني حقا رضيت بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد نبيا ورسولا، هل يشهد لي أصدقائي وزملائي وأهلي بأني حقا اليوم رضيت بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد نبيا ورسولا )
اللهم مالك الملك ، عالم الغيب والشهادة ، رب كل شيء ومليكه ، نقسم بك عليك في هذه الساعة المباركة ، إلا رضيت علينا ورحمتنا ، إلا كتبت لنا الجنة وحرمت علينا النار ، اللهم بعلمك للغيب وقدرتك علي الخلق زك نفوسنا ، وأحي قلوبنا ، وألهمنا رشدنا ، اللهم أهدنا لأحسن الخلاق لا يهدي لأحسنها إلا أنت ، واصرف عنا سيئ الأخلاق لا يصرف عنا سيئها إلا أنت ، اللهم أرنا الحق حقا وارزقنا اتباعه ، وارنا الباطل باطلا وارزقنا اجتنابه
اللهم انصر دينك واوليائك وعبادك الصالحين ، مكن لدينك في الأرض ياارحم الراحمين
اللهم حرر مقدسات المسلمين ، واحفظ أعراض المسلمين ، وصن حرمات المسلمين ، واستر عورات المسلمين ، وآمن روعات المسلمين ، اللهم رد المسلمين اليك مردا جميلا
اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات انك سميع قريب مجيب الدعوات
فستذكرون ما اقول لكم وافوض امري إلي الله ان الله بصير بالعباد ، واقم الصلاة
الصلاة الآيات (20:29)سورة الآنفال.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق