الأربعاء، 7 يوليو 2010

لإشعال الهمم

الثبات علامة صدق وحاجة دعوة
إن أصحاب هذه العقيدة يجب أن يدافعوا عن عقيدتهم وأن يلقوا في سبيلها العنت والألم والشدة والضر ، وأن يتراوحوا بين النصر والهزيمة حتي إذا ثبتواعلي عقيدتهم،ولم تزعزعهم شدة ولم ترهبهم قوة ولم يهنوا تحت مطارق الفتنة والمحنة استحقوا نصر الله ؛ لأنهم يومئذ أمناء علي دين الله ،واستحقوا الجنة لأن أرواحهم تحررت من الخوف ومن الزلل ومن الحرص علي الحياة

وعن سهل بن سعد رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ ‏‏رباط يوم في سبيل الله خير من الدنياوما عليها، وموضع سوط أحدكم من الجنة خير من الدنيا وما عليها، والروحة يروحها العبد في سبيل الله تعالى، أو الغدوة خير من الدنيا وما عليها‏ ।(‏‏(‏متفق عليه‏)‏‏)‏
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال‏:‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏
"‏تضمن الله لمن خرج في سبيله لا يخرجه إلا جهاد في سبيلي، وإيمان بي وتصديق برسلي فهو علي ضامن أن أدخله الجنة‏"‏ ‏(‏‏(‏رواه مسلم)‏‏)‏‏।‏ و
عن أبي يحيي خريم بن فاتك رضي الله عنه قال‏:‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏:‏ ‏"‏من أنفق نفقة في سبيل الله كتب له سبعمائة ضعف‏"‏ ‏(‏‏(‏رواه الترمذي وقال‏:‏ حديث حسن‏)‏‏)‏‏।‏
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال‏:‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏
‏"‏لا يلج النار رجل بكي من خشية الله حتى يعود اللبن في الضرع، ولا يجتمع على عبد غبار في سبيل الله ودخان جهنم‏"‏
‏(‏‏(‏رواه الترمذي وقال‏:‏ حديث حسن صحيح‏)‏‏)‏‏।‏
عن أنس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال‏:‏
‏"‏لغدوة في سبيل الله أو روحة خير من الدنيا وما فيها‏"‏ ‏(‏‏(‏متفق عليه‏)‏‏)‏
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال‏:‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:
(إن مقام أحدكم في سبيل الله أفضل من صلاته في بيته سبعين عامًا، ألا تحبون أن يغفر الله لكم ويدخلكم الجنة‏؟‏ اغزو في سبيل الله من قاتل في سبيل الله فواق ناقة وجبت له الجنة‏"‏ (‏‏رواه الترمذي وقال‏:‏ حديث حسن‏ ،"‏والفواق‏"‏‏:‏ ما بين الحلبتين‏
عن سلمان رضي الله عنه قال‏:‏ سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول‏:‏ ‏"‏رباط يوم وليلة خير من صيام شهر وقيامه(‏‏(‏رواه مسلم‏)‏‏)‏‏।
عن أبي هُرَيرَةَ قال : قال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وسَلَّم : (من لقيَ اللهَ بغيرِ أثرٍ من جهادٍ لقيَ اللهَ وفيهِ ثُلمةٌ) । رواه الترمذي
عن عثمان بن عفان رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :(مَنْ رَابَطَ لَيْلَةً في سَبيلِ اللهِ سُبْحَانَهُ، كَانَتْ كَأَلفِ لَيْلَةٍ، صِيَامَها وَقِيَامَها). رواه ابن ماجة

من المؤمنين رجال





























































































































































































































الثبات علامة صدق وحاجة دعوة
إن أصحاب هذه العقيدة يجب أن يدافعوا عن عقيدتهم ،
وأن يلقوا في سبيلها العنت والألم والشدة والضر ،
وأن يتراوحوا بين النصر والهزيمة حتي إذا ثبتواعلي
عقيدتهم،ولم تزعزعهم شدة ولم ترهبهم قوة ولم يهنوا
تحت مطارق الفتنة والمحنة استحقوا نصر الله ؛
لأنهم يومئذ أمناء علي دين الله ،واستحقوا الجنة
لأن أرواحهم تحررت من الخوف ومن الزلل ومن الحرص علي الحياة










الثلاثاء، 6 يوليو 2010

هذا ماعشته بين الإخوان

هذا ماعشته بين الإخوان
بقلم الأستاذ صالح العشماوي

كتب الأستاذ صالح عشماوي في مجلة النذير الأسبوعية عن زيارته لمعسكر حلوان قائلاً:أعود بذاكرتي إلي الليلة الأولي التي وصلت فيها المعسكر ، وكان الوقت ليلا ، وكيف قدم إلي طعام العشاء ، فنظرت إليه فإذا هو عدس ، هممت بالاحتجاج ، لأن الطبيب يحتم علي ألا آكل إلا خضارا مسلوقا ، ولكني أطبقت شفتي لأني في معسكر أخضع لنظامه لا لأمر الطبيب ، أكلت وحمدت الله ، ثم نهضت إلي مكان النوم ‘ فإذا به خيمة وفراشي فيها الغبراء –وفي الأرض صلابة وخشونة – وأنا رجل مريض ، تعودت اللين من الفراش ، ولكن عبثا حاولت التكلم ، فليس من هذه الضجعة مفر ! فنمت كما أكلت بعد أن دعوت الله ، ولكن لم يطل نومي ، فقد أيقظني أخ كريم ، فنهضت أستفسره الأمر ، فأخبرني أن علي الليلة حراسة ، نعم علي أن أهجر هذا الفراش علي مافيه من تقشف لأقف وسط المعسكر تظلني السماء ، وبيدي عصا لأقوم علي حراسة زملائي وإخواني في الله ، ولــم يـكــن أمـامــي ســــــوي الـطــاعـــــة .

اتخذت مكاني في وسط المعسكر ، والهواء يعصف بي من كل جانب ، والريح يأتيني من كل مكان ، فيهتز له جسدي النحيل ، ثم أخذت أغدو وأروح ، وأسرح نظري في السماء تارة فإذا بها مرفوعة بغير عماد مزينة بالنجوم ، وفي الأرض تارة أخري فإذا بها ممدودة حينا عالية شامخة بالتلال حينا آخر ،........... أخذت أتأمل وأفكر فيطول بي التفكير ، وأبحث وأقدر ، فيستوي أمامي التقدير !! أجل هنا أحسست بعظمة الله وقدرته ، فجري علي لساني قول الحق تبارك وتعالي { إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ لِّأُوْلِي الألْبَابِ/ آل عمران: 190}

ثم تقت إلي الراحة فوجد ت منضدة يعلوها مصباح من ورائها مقعد وعليها كتاب فتحته فإذا به دستور السماء ، جلست أقطع الوقت بتلاوة القرآن أرتله ترتيلا ، ولقد قرأت القرآن قبل ذلك كثيرا وقليلا ، ولكن ما أحسست بروعة الآيات وعذوبة التلاوة ، وما سمعت بصوتي رنينا كله جلال ووقار كما أحسست في هذه الليلة ، حتي أذن الفجر بالانبثاق ، فأسرعت أوقظ الإخوان فاستعد الكل ، واستوت الصفوف ، وتقدم الإمام ، فأقيمت الصلاة ، وركعنا ،وسجدنا ،ثم سبحنا بحمده ، واستغفرناه .

مرت فترة قصيرة دوت بعدها صفارة الزعيم ، فهب القوم ، وتنادو مصبحين ، وانتظموا صفوفا كالبنيان المرصوص ، وبدأت الرياضة البدنية فسايرتهم فيها بقدر ماسمحت لي عضلاتي التي ألانتها الراحة والسكون ، ثم صدر الأمر أن نسير .........إلي أين ؟ إلي العين الجديد ة ..
بدأنا السير في اعتدال ، ثم أسرعنا الخطي في اتزان ، ثم انقلب السير عدوا ً وركضاً و"الزعيم" يتقدمنا ينفخ في صفارته كأنه ينفخ فينا من حماسته ؛ حتي إذا بلغنا تلاً مرتفعاً لبس له منفد ،فكدت أصيح بهم : إننا ضللنا الطريق ، لولا أني رأيت "الزعيم" ومن ورائه الإخوان يتخذون سبيلهم في التل عجبا ، ولم يطل ترددي ؛ فقد عز علي أن أقعد مع الخوالف ، فتبعتهم بعون من الله ؛ حتي إذا بلغت نهاية التل إذا بي أري الجمع ينحدر كالسيل إلي بطن الوادي ، ففوضت أمري إلي الله ، وهبطت معهم ، أو علي الأصح من ورائهم ، حتي إذا بلغنا أسفل الوادي وجدنا قناة ، فعبرناها ، ثم تلاً تسلقناه ،وآخر هبطناه ،حتي بلغنا منبع الماء ،وقد لقينا من رحلتنا هذه نصبا .

عدنا إلي المعسكر من نفس الطريق ، وقد علمني هذا "الطابور " كما يقولون أن أمام الإخوان عقبات لابد أن يجتازوها ، وحواجز لابد أن يتخطوها في عزيمة وإرادة ، وفي قوة وشجاعة ، وقد سألت عند عودتي : هل يذهب الناس إلي العين بهذه المشقة ؟ فأ ُعلمت أن للعين سبيلا ممهداً وطريقا محدوداً ، أيقنت عندئذ أن للإخوان طريقاً غير طريق الناس ، يسرعون عندما يبطئون ، ويصعدون الهضاب والمرتفعات بينما يتلمس الناس السهول والوديان ، أو يعبرون الترع والقنوات في الوقت الذي يخشي الناس فيه البلل والرذاذ من الماء ! .

حان وقت الإفطار ، فكان الملح والخبز ، غذاءاً ، ثم وقف الزعيم يرفع العلم ، ووقفنا صفوفا نحييه سلاما ً وهتافاً يملأ الفضاء ، ويبلغ عنان السماء ، ولم يكن هتافاً إلا حمداً وتكبيراً : الله أكبر ولله الحمد ، الله غايتنا والرسول زعيمنا ، والقرآن دستورنا ، والجهاد سبيلنا ، والموت في سبيل الله أسمي أمانينا .

ثم أخذنا نتعلم نشيد الكتائب ، وأشهد أني قرأت هذا النشيد أكثر من مرة وأنا جالس في مكتبي ، فما أثار في نفسي إحساسا ، ولكن في هذه المرة تفتحت أمامي معان لم أكن أدركها ، وشعرت بحقائق لم أكن ألمسها ، فلا عجب إذا أنشدنا في قوة ، لأننا نقول مانفعل ، ونحس بما نقول ، وما أروع ماننشد :
نبي الهدي قد جفونا الكري وعفنا الشهي من المطعم
نهضنا إلي الله نجلو السري بروعـــة قرآنــــه المحكـــم

مضت أيام، ثم جائني من تربطني به صلة القرابة في زيارة ، فعلم كيف آكل ، وكيف أنام ...فهاله الأمر ، وقد قال لنفسه : مال لهذا المطرف المريض ينام نوم الأصحاء ، ويأكل أكل الفقراء ؟! فلما اختلي بي مكانا قصيا بادرني بقوله : هل أنت مجنون ؟ قلت: هذا أحد الفرضين ، قال :وهل هناك فرض آخر ؟ فقلت : نعم ، وهو أني "محب "، فابتسم بخبث ، ولعله قد عجب كيف يُحب الإخوان المسلمون ! فقلت : هون عليك ؛ فقد أحببنا الله ورسوله حبا ملك علينا نفوسنا ، فجفونا الكري ، وعفنا الشهي من المطعم ، وأولي بمن أحبو الله ورسوله أن تتجافي جنوبهم عن المضاجع خوفا وطمعا ، يستغفرون ربهم عشية وأسحارا ، ويناجون مولاهم بقرآن كريم يرتلونه ترتيلا ، ويقضون أيامهم في تحقيق قوله تعالي {وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ/الأنفال :60} حتي يعود للإسلام مجده ،وحتي يفرضوا علي الناس حده ،وحتي لاتكون فتنة ،ويكون الدين كله لله .

لقد كان معسكرا ً رائعا ً جليلاً، عظيماً جميلاً ، ما أظن أني أستطيع أن أحيط بكل ناحية من نواحي عظمته ، لم يكن لهوا كما قدرت ، ولعبا كما ظننت ، ولكنه كان عملا وإعدادا ، وتدريبا وجهادا ، وإني لأتخيل الواحد منا وقد أهاجته الذكري ، فذكر أيام المعسكر وإخوان المعسكر ، ففاضت عيناه ، ثم أخذته النشوة ،فأنشد من أعماق قلبه وكأنه فيهم وكأنهم معه :
تآخـــــت علـــــي اللـــــه أرواحنـــــا إخــــاءاً يــــــروع بنــــاء الـــــزمن

مجلة النذير الأسبوعية – السنة الثانية- العدد 23 – ص8 : 10 –جمادي الآخرة 1358هـ/ 25يوليو1939م . –بتصرف - .

ايقاظ الإيمان كيف

د. مجدي الهلالي يكتب: إيقاظ الإيمان.. كيف؟
يتردد كثيرًا على الساحة الإسلامية في هذه الآونة مصطلح "إيقاظ الإيمان"، وضرورة الاهتمام به وإعطائه الأولوية في الأهداف التربوية التي تُعنى بتكوين الشخصية المسلمة، وهذا أمرٌ طيبٌ جديرٌ بالتشجيع والمساندة من الجميع، وكيف لا ومشكلة الأمة بالأساس مشكلةٌ إيمانيةٌ ولن ينصلح حالها إلا بالإيمان؟! ﴿وَأَنْتُمْ الأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾ (آل عمران: من الآية 139)، وسنظل ندور في حلقةٍ مفرغةٍ لا نخرج منها إن لم نبدأ بالإيمان؛ فنجدِّده ونحييه في قلوبنا.ولكن لكي يُؤتي هذا الاهتمامُ بإيقاظ الإيمان ثمارَه المرجوَّة؛ لا بد من الاتفاق على المقصود بهذه اليقظة؛ فهل المقصود بها أن تفرز مسلمًا يؤدي الصلوات الخمس على وقتها بالمسجد، ويصلي النوافل، ويُكثر من ذكر الله؟!لو كان هذا الهدف فقط فبِمَ تشخِّص حالة مَن يفعل ذلك وفي نفس الوقت تجده في تعامله مع المال شديدَ الحرص عليه؛ يحسب كل شيء، ويُفكِّر في حقِّه أولاً قبل حقوق الآخرين، شديدَ التركيز على الدنيا؛ إذا ذهب لشراء شيءٍ ما تجده ينتقل بين الحوانيت للبحث عن الأرخص سِعرًا؛ فإذا ما استقرَّ على حانوتٍ فإنه لا يملُّ من مساومة البائع لتخفيض السعر قدر المستطاع؟!وإذا ما كان صاحبَ عقار تجده يتعامل مع المستأجرين معاملةً جافةً غليظةً، ويجتهد في التنصُّل من حقوقهم عليه، وإذا ما ساعد الآخرين فبحسابٍ شديدٍ؛ يُصاب بالهلع إذا ما أُصيب مالُه بخسارة ولو طفيفة، أو ضاعت من يديه صفقة رابحة!.وليس هذا خاصًّا بالأغنياء فقط؛ فالفقراء ومتوسِّطو الحال كذلك.. نجد بعض التناقض بين عباداتهم الظاهرة وسلوكياتهم ومعاملاتهم، وبخاصةٍ فيما يخص المال؛ فالحرص على الدنيا، والحزن على فوات شيءٍ يسيرٍ منها، وأحلام اليقظة والأماني الدنيوية العريضة.. يسيطر على مخيّلتهم.الدنيا والإيمانلا شك أن المحافظة على الصلوات في أول وقتها بالمسجد من مظاهر الإيمان، ولكن عندما لا تتواكب تلك المظاهر مع هوانِ الدنيا في عين صاحبها، وضآلة حجمها في قلبه، ومن ثَمَّ تعامله معها من منطلق هذه النظرة؛ فإن ذلك يعدُّ بمثابة مؤشرٍ مهمٍّ لعدم تمكُّن الإيمان من القلب، وعدم وصوله إلى مرحلة اليقظة والانتباه.فعندما يستيقظ الإيمان، وتشتعل جذوته في القلب؛ فإن هذا من شأنه أن يجعل صاحب هذا القلب يدرك حقيقة الدنيا، فتصغُر في عينيه، وتهون عليه، ويرى المال على حقيقته؛ بأنه "مال الله"، وأنه مستخلفٌ فيه من قِبَلِه سبحانه وتعالى، وأن الذي يُرضي صاحبه هو إنفاقه في أوجه الخير ما وسعه ذلك.
المال رمز الدنياإن المال هو أهم رمز للدنيا، وعندما نرى من شخصٍ ما تلهُّفًا على المال، وحرصًا عليه، وخوفًا على فواته، وضِيقًا من نقصانه.. فإن هذا يُعطي دلالةً قويةً على أن الدنيا في قلبه تحتلُّ مساحة كبيرةً، وأن إيمانه وإن كان موجودًا إلا أنه إيمان مُخدَّر نائم.فإن قلت: ولكن هناك بعض الناس ينفقون في سبيل الله كثيرًا، ومع ذلك فهم مقصِّرون في الطاعات، ويتجرَّؤون على فعل بعض المعاصي!!.أجل.. هذا موجود بالفعل عند البعض، ولعل إنفاقهم في سبيل الله، في هذه الحالة، مردّه إلى تربيتهم الأولى التي عوَّدتهم على السخاء والجود، ولكن لكي يكون هذا البذل معبِّرًا عن "يقظةِ الإيمان" في قلوبهم؛ لا بد أن يواكبه ظهور علامات أخرى؛ أجملها رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث: فعن عبد الله بن مسعود قال: قلنا: يا رسول الله، قوله تعالى: ﴿أَفَمَنْ شَرَحَ اللهُ صَدْرَهُ لِلإِسْلامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ﴾ (الزمر: من الآية 22)، كيف انشرح الصدر؟ قال:"إذا دخل النورُ القلبَ انشرح وانفتح"، قلنا: يا رسول الله، وما علامة ذلك؟ قال: "الإنابة إلى دار الخلود، والتجافي عن دار الغرور، والاستعداد للموت قبل نزوله" (أخرجه الحاكم والبيهقي).فالعلامة الأولى كما في الحديث هي: الإنابة إلى دار الخلود، ومن مظاهرها: المسارعة إلى فعل الخير بأنواعه، والورع والحساسية الشديدة تجاه الحرام وكل ما فيه شبهة، وتقديم مصالح الدين على جميع مصالح الدنيا عند تعارضهما.أما مظاهر العلامة الثانية ليقظة القلب "التجافي عن دار الغرور"؛ فهي عدم التلهُّف على تحصيل الدنيا، وعدم الحزن على فواتها أو نقصانها، وقلة التفكير فيها، وعدم حسد الآخرين عليها، أو التطلُّع إلى ما عند أهل الثراء فيها؛ إلا رغبةً في الإنفاق في سبيل الله.ومن مظاهر الاستعداد للموت قبل نزوله: المسارعة إلى التوبة الصادقة، ودوام الإنابة إلى الله، والتحلُّل من المظالم، وردُّ الحقوق والأمانات إلى أهلها.الشجرة المباركةهذه العلامات ما هي إلا انعكاس ليقظة الإيمان وانشراح الصدر به، وليس العكس؛ بمعنى أنه لا يمكن القفز إلى هذه المظاهر ومحاولة التعوُّد عليها بغية اكتسابها؛ فلكي ينصلح الحال في العبادات والسلوكيات والاهتمامات والمعاملات؛ لا بد من البدء من النقطة الصحيحة، ألا وهي: العمل على إيقاظ الإيمان في القلب، وليس العكس.فالاهتمام بأداء العبادات وإصلاح السلوكيات دون الاهتمام بيقظة القلب من شأنه، وإن نجح من الناحية الشكلية، أن يُنتجَ شخصًا مشوَّهًا ذا شخصيتين؛ تجده في المسجد يصلي، ثم في متجره يعامل الناس بغلظة، ولا يحافظ على وعده ومواعيده، وقد يُسيء معاملة أهله وأرحامه، ويتهافت على المال تهافُتَ الفَرَاش على النار.وفي المقابل: عندما نبدأ بالإيمان فنوقظه؛ فإن شجرته تنمو وتزدهر وتثمر ثمارًا يانعةً في كل وقت وكل اتجاه ﴿كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ (24) تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا﴾ (إبراهيم).ويكفيك أخي القارئ في تأكيد هذا المعنى قولُه تعالى في هذه الآية الجامعة: ﴿لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَالْمَلائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُتَّقُونَ﴾ (البقرة: 177).منزلة اليقظةوعندما كتب الإمام ابن القيم كتابه الرائع (مدارج السالكين) بدأ هذه المدارج بمنزلة "اليقظة"، وكان مما قال فيها: "فأول منازل العبودية: اليقظة، وهي انزعاج القلب لروعة الانتباه من رقدة الغافلين، والله.. ما أنفعَ هذه الروعة!! وما أعظمَ قدرها وخطرها!! وما أشدَّ إعانتها على السلوك!! فمن أحسَّ بها فقد أحسَّ، والله، بالفلاح، وإلا فهو في سكرات الغفلة، فإذا انتبه شمَّر لله بهمَّته للسفر إلى منازله الأولى، واعلم أن العبد قبل ذلك في نوم الغفلة، قلبه نائم، وطرفه يقظان؛ فأول مراتب هذا النائم: اليقظة والانتباه من النوم".من هنا ندرك مغزى قول الإمام الشهيد حسن البنا، وهو يتحدث إلى الناس فيقول: "قبل أن نتحدث إليكم في هذه الدعوة عن الصلاة والصوم، وعن القضاء والحكم، وعن العادات والعبادات، وعن النظم والمعاملات.. نتحدث إليكم عن القلب الحي، والروح الحي، والنفس الشاغرة، والوجدان اليقظ، والإيمان العميق بهذه الأركان الثلاثة: الإيمان بعظمة الرسالة، والاعتزاز باعتناقها، والأمل في تأييد الله إياها، فهل أنتم مؤمنون؟!" (رسالة: دعوتنا في طور جديد).وخلاصة القولأن إيقاظ الإيمان يعني دخولَ نورِه القلبَ، واشتعالَ جذوته فيه؛ لينعكس ذلك على العبادات والمعاملات والاهتمامات، ومهما حاولنا تحسين هذه الأمور دون البدء بإيقاظ الإيمان بمفهومه الصحيح فإن الناتج سيكون ضعيفًا، ولا يتناسب مع الجهد المبذول.فإن قلت: وكيف نوقظ الإيمان ونشعل جذوته في القلب؟.. جاءك الجواب بأن جيل الصحابة ظهرت على أفراده الآثار الكاملة ليقظة الإيمان، ويكفيك في هذا قول الإمام القرافي: "لو لم يكن لرسول الله صلى الله عليه وسلم معجزة إلا أصحابه لكفَوه في إثبات نبوته".فما علينا إذن إلا أن نبحث عن الوسائل التي استخدموها حتى وصلوا إلى هذا المستوى فنستخدمها، وأظن أن بحثنا لن يطول إذا ما أخذنا هذا الأمر بقوة، وحملناه على محمل الجدّ والاهتمام، ولنعلم جميعًا أنه لا يصلح أمر آخر هذه الأمة إلا بما صلح عليه أولها.وصلِّ اللهم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، والحمد لله رب العالمين.

هل مشكلة أمتنا إيمانية

د. مجدي الهلالي يكتب: هل مشكلة أمتنا إيمانية؟!

لو تأملنا المرحلة التي تعيشها أمتنا منذ عقود طويلة لوجدناها تتشابه إلى حدٍّ كبيرٍ مع مرحلة التيه التي مر بها بنو إسرائيل عندما رفضوا دخول الأرض المقدسة.

فبعد أن نجى الله عز وجل موسى عليه السلام وقومه، وأغرق فرعون وملأه، سار موسى عليه السلام ببني إسرائيل متوجهًا نحو الأرض المقدسة، وطلب منهم أن يدخلوها معه، فلما علموا أن فيها قومًا أشداء خافوا من مواجهتهم، ورفضوا الدخول وقالوا لموسى عليه السلام: ﴿قَالُوا يَا مُوسَى إِنَّا لَنْ نَدْخُلَهَا أَبَدًا مَا دَامُوا فِيهَا فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ (24)﴾ (المائدة: 24)؛ فكان العقاب الإلهي بأن يتيهوا في الأرض أربعين سنة ﴿فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ سَنَةً يَتِيهُونَ فِي الأَرْضِ﴾ (المائدة: من الآية 26).

والجدير بالذكر أن بني إسرائيل ظلوا خلال هذه المدة يبحثون عن مخرج من التيه، وكلما توهَّموا مخرجًا اندفعوا إليه، وبذلوا فيه جهدهم، ليفاجئوا بعد ذلك أنه سراب.. يقول ابن كثير: فحرمها الله عليهم أربعين سنةً، يتيهون في الأرض يصبحون كل يوم فيسيرون ليس لهم قرار (1)..

وكذلك نحن.. فمنذ عقود طويلة والمخلصون من أبناء أمتنا يبحثون عن مخرج للأمة يُنقذها من تيهها، إلا أن هذا البحث- مع ما فيه من جهد وإخلاص- تنقصه حلقة مهمة لكي تكتمل السلسلة وتظهر النتيجة المرجوَّة، وتنفرج الصخرة انفراجًا يُتيح للأمة الخروج من مأزقها الراهن.

هذه الحلقة المفقودة تُعنى بتشخيص السبب الرئيس لمرض أمتنا وكيفية علاجه، وتنطلق من مفهوم يقول بأن أمتنا ليست كبقية الأمم، وأن لها وضعًا خاصًّا عند الله عز وجل، فهي الأمة المكلَّفة منه سبحانه بحمل رسالته الأخيرة للبشرية وتبليغها للعالمين: ﴿وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ﴾ (البقرة: من الآية 143).

هذا التكليف يستلزم بذل الجهد والوسع والطاقة للنجاح في القيام به.. ﴿وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمْ الْمُسْلِمينَ مِنْ قَبْلُ وَفِي هَذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيدًا عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِِ﴾ (الحج: من الآية 78).

لا يرضى لعبادة الكفر
إن الله عز وجل يريد الخير للناس جميعًا ﴿وَلا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ﴾ (الزمر: من الآية 7)، ومراده دخولهم جميعًا الجنة ﴿وَاللهُ يَدْعُو إِلَى الْجَنَّةِ وَالْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ﴾ (البقرة: من الآية 221)؛ لذلك كانت رسالاته المتتالية إليهم والتي تبشِّرهم بالجنة، وتخوِّفهم من النار، وترسم لهم طريق الهداية إليه وإلى جنته.

ولقد اصطفى سبحانه أمة الإسلام لكي تقوم بمهمة تبليغ رسالته الأخيرة للبشرية جمعاء، ولأن القرآن هو رسالته الأخيرة؛ لذلك فهو سبحانه لن يستبدل الأمة الإسلامية بأمةً أخرى في مهمة هداية البشرية، وإيصال رحمته للعالمين كما حدث من قبل مع بني إسرائيل حينما استبدل بهم أمة الإسلام بعد خيانتهم للأمانة.

ولقد قامت الأجيال الأولى للأمة بأداء مهمتها خير قيام، وبذلوا غاية جهدهم في تبليغ الرسالة، وإليك أخي القارئ هذه القصة التي تؤكد هذا المعنى.

يقول الأستاذ جاسم المطوع:
في زيارة خاطفة إلى هونغ كونغ؛ دعاني رجل الأعمال الصيني (كين) إلى بيته لتناول الشاي الصيني والعشاء، فلبيت الدعوة، وذهبت إليه، وجلسنا جلسة ثقافية وسياحية.. وسألت صاحبي عن سبب دخوله في الإسلام، فقال لي: لقد أعلنت دخولي في الإسلام منذ أحد عشر عامًا، وكذلك أسلمت زوجتي، ودخل في الإسلام ولداي، وسبب دخولي في الإسلام أني كنت أقرأ في تاريخ الصين واكتشفت أن المسلمين وصلوا الصين منذ ألف وثلاثمائة عام؛ ففوجئت بهذه المعلومة، واعتقدت أنهم وصلوا الصين وقطعوا آلاف الأميال بسبب التجارة أو غيرها من المصالح، ولكنني صُدِمت أكثر عندما علمت أن حضورهم كان من أجل توصيل رسالة، فهزَّني هذا الموقف كثيرًا، وقلت في نفسي: يقطعون كل هذه الأميال من أجل توصيل رسالة الإسلام، لا شك أن عندهم خيرًا كبيرًا، فقرأت عن الإسلام، وانشرح صدري، فدخلت فيه والحمد لله.. (2).

هكذا فهمت الأجيال الأولى طبيعة وظيفتها، ثم حدث ما حدث بعد ذلك من ضعف، وتكالب على الدنيا، وصراع من أجل الرئاسة فيها، فانتكست الأمة، ومن ثَمَّ تركت وظيفتها ومهمتها الأساسية في هداية البشرية.

وكل يوم جديد يموت الكثيرون والكثيرون على الضلالة؛ لأنهم- من ناحية- لم يبحثوا عن الطريق الصحيح، وعن غاية وجودهم في الدنيا، ومن ناحية أخرى، فإن المكلفين بتبليغ رسالة الله إليهم لم يقوموا بذلك، وخانوا الأمانة، أو قصَّروا في أدائها.

من هنا ندرك بعضًا من حكم الابتلاءات والعقوبات المتتالية التي أصابت الأمة؛ لأنها أولاً: أهملت الرسالة، ولم تعمل بما تضمنته، ولأنها أيضًا خانت أمانة الله في إبلاغ الرسالة، والذي يشكل المحور الثاني لوجودها.

فصيلة دم الأمة
فإن كانت أمتنا مكلفة من الله عز وجل بحمل رسالته للناس أجمعين، فإنها لن تستطيع أن تقوم بهذه المهمة إلا إذا تمثلت فيها الرسالة أولاً، وهذا لا يمكن حدوثه بدون وجود قوة روحية هائلة تدفع أبناءها لمجاهدة أهوائهم وشهواتهم، وتمكِّن للدين في نفوسهم.. هذه القوة الروحية هي قوة الإيمان.

فالإيمان الحيّ يولِّد داخل الفرد قوةً دافعةً؛ تُعينه وتيسِّر عليه القيام بتنفيذ ما تضمنته الرسالة، وتدفعه كذلك لتوصيلها للآخرين؛ لذلك نجد أن الله عز وجل قد ربط بين علوِّنا وقيادتِنا للبشرية وبين الإيمان الذي تحمله صدورنا.. ألم يقل سبحانه: ﴿وَأَنْتُمْ الأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مؤمنين﴾ (آل عمران: من الآية 139)، و﴿وَأَنَّ اللهَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ﴾ (الأنفال: 19)، فالحماية والولاية والكفاية والنصرة على قدر الإيمان: ﴿ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَأَنَّ الْكَافِرِينَ لا مَوْلَى لَهُمْ (11)﴾ (محمد: 11) ﴿وَلَن يَجْعَلَ اللهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً﴾ (النساء: من الآية 141).

فالإيمان إذن هو أهم شرط للتمكين والاستخلاف في الأرض: ﴿وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمْ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا﴾ (النور: من الآية 55).

إن فصيلة دم أمتنا هي الإيمان، ويوم أن يضعف الإيمان، ويتمكَّن الهوى وحب الدنيا من قلوب أبنائها؛ فإنها بذلك تفقد مصدر قوتها وتميزها على سائر الأمم، وليس ذلك فحسب؛ بل إن ضعف الإيمان وغلبة الهوى من شأنه أن يستدعي غضب الله عليها؛ لأنها بهذا الضعف لن تستطيع أن تبلغ رسالته، ومن ثَم فإن العقوبات ستتوالى عليها حتى تفيق من غفلتها، وتعود لإيمانها من جديد، لتنطلق بعد ذلك حاملةً الدواء الرباني، ورسالة الرحمة والشفاء للمرضى والتائهين والحيارى في شتى بقاع الأرض.

فعندما يضعف الإيمان يقوى الهوى وحب الدنيا، ويزداد الانجذاب نحو الأرض، ويشتد السعي في اتجاه تحصيل الشهوات، ومن ثم تخبو الرغبة في الجهاد لتبليغ الرسالة؛ فيؤدي هذا إلى استدعاء غضب الله على الأمة، وهذا هو واقعنا الآن، والذي ينطبق عليه قوله صلى الله عليه وسلم: "إذا تبايعتم بالعينة، وأخذتم أذناب البقر، ورضيتم بالزرع، وتركتم الجهاد سلط الله عليكم ذلاًّ لا ينزعه حتى ترجعوا إلى دينكم" (3).

إن المتأمل المتدبر لواقع الأمة يجد أنها في مظانّ الغضب الإلهي، وإلا فبماذا تفسر عدم استجابة الدعوات المتواصلة الحارة والتي تلح على الله بأن ينصر الأمة؟! وبماذا تفسر استعلاء اليهود وقيامهم بإذلالنا وهم الذين كتب الله عليهم الذلة والمسكنة؟!
عن أنس بن مالك مرفوعًا: "يأتي على الناس زمان يدعو الرجل للعامة، فيقول الله: ادع لخاصتك أستجب، وأما العامة فلا، فإني عليهم غضبان"(4)، وعن حذيفة بن اليمان عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "والذي نفسي بيده، لتأمرنَّ بالمعروف، ولتنهون عن المنكر، أو ليوشكنَّ الله أن يبعث عليكم عقابًا منه ثم تدعونه فلا يستجاب لكم" (5).

مشكلتنا إيمانية
من هنا نقول إن مشكلة أمتنا إيمانية بالدرجة الأولى، ولن ينصلح حالها، ولن تستعيد عافيتها إلا بالإيمان، فتستبدل بذلك غضب الله برضاه، ومن ثمَّ تستدعي نصره وتمكينه ﴿وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ (الروم: من الآية 47).

وليس معنى القول بأن مشكلة أمتنا مشكلة إيمانية هو ترك الأخذ بأسباب التقدم المادية التي أخذت بها سائر الأمم، أو ترك الجهاد لتبليغ الدعوة وإقامة المشروع الإسلامي، بل المقصد هو إعادة ترتيب الأولويات، فالإيمان أولاً، ثم يلي ذلك توجيه وتصريف الطاقة التي يولدها ذلك الإيمان في المجالات المختلفة، والسعي الدؤوب لاستكمال المشروع الإسلامي الذي يبدأ بإصلاح الفرد، فالبيت، فالمجتمع، وينتهي بأستاذية العالم ﴿وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ للهِ﴾ (الأنفال: من الآية 39).

مع الأخذ في الاعتبار أن أهم عامل لنجاح هذا المشروع هو وجود المسلم الصحيح الذي مكَّن لله في قلبه، فانعكس ذلك على سائر حياته ليتحقق فيه قوله تعالى: ﴿قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَاي وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (162)﴾ (الأنعام: 162).

ولا يمكن أن يظهر هذا النموذج إلا بالإيمان، فالإيمان هو الوقود الذي يولِّد الطاقة الدافعة للقيام بالواجبات المختلفة في أي زمان ومكان ﴿لا يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ أَنْ يُجَاهِدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ (44) إِنَّمَا يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَارْتَابَتْ قُلُوبُهُمْ فَهُمْ فِي رَيْبِهِمْ يَتَرَدَّدُونَ (45)﴾ (التوبة).

ولك أن تتأمل ما قاله المصلحون في هذا الشأن ومنهم الإمام حسن البنا، فمن أقواله رحمه الله: إذا وُجد المؤمن الصحيح وجدت معه وسائل النجاح جميعًا (6).

واقرأ معي هذه الكلمات التي كتبها محمد أمين المصري، يقول رحمه الله: إن محمدًا عليه الصلاة والسلام لم يعمد إلى إصلاح اقتصادي أو أخلاقي أو صحي أو سياسي أو إداري أو علمي.

ولكنه عمد إلى إصلاح الإيمان، فكان من بعد ذلك كل إصلاح وكل قوة وكل خير، ولا يصلح أمر آخر هذه الأمة إلا بما صلح عليه أولها.

فرجل العقيدة هو السبيل الوحيد لعلاج أنواع الانحرافات؛ ذلك أن رجل العقيدة يندفع في تحقيق أهدافه، وهو إنسان ملأت نفسه عقيدته، فهو يعيش من أجلها ويرضى بكل أذى في سبيلها، ويبذل فيها جهده وكل غالٍ ورخيص.

رجل العقيدة إن لم تكن لديه الوسائل الكاملة سعى إلى إيجادها ولو كان أمرًا مستحيلاً (7).. إن مثل هذا الإنسان يصيح بالناس ويترك فيهم أقوى الآثار ولو كان أبكم (8).

فالوسيلة الفعالة القوية هي تكوين أمثال هؤلاء الرجال، والإصلاح الذي نرقبه لا يتم إلا في إيجاد أمثال هؤلاء (9).

شلال الإيمان:
معنى ذلك أن الفرد الذي اشتعلت جذوة الإيمان في قلبه هو أكثر الأفراد إنتاجًا في الدعوة وخدمةً للإسلام، ويكفيك دليلاً على ذلك أن زيد بن ثابت-رضي الله عنه- قد تعلم السريانية في سبعة عشر يومًا، عندما أمره الرسول- صلى الله عليه وسلم- بتعلمها، بل وصار ماهرًا بها. يقول زيد بن ثابت: قال لي النبي صلى الله عليه وسلم: "إني أكتب إلى قوم فأخاف أن يزيدوا عليَّ أو يَنْقُصوا، فتعلَّم السريانية" فتعلمتها في سبعة عشر يومًا (10).

إن الطاقة النووية- كما يقول أبو الحسن الندوي- لا تساوي الطاقة التي يولدها الإيمان في قلب المؤمن.

هذا الإيمان يستطيع أن يصنع عجائب كما صنع عجائب من قبل، ويحل كل مشكلات الأمة أولاً، والإنسانية ثانيًا، لأن كل مشكلات الإنسان نبعت من عبادة النفس والشهوات، نبعت من الأنانية، نبعت من النظر القاصر المحدود، نبعت من حب الرئاسة. والإيمان يستطيع أن يتغلب على كل هذا، ويصنع من الأمة أمة جديدة (11).

روى التاريخ أن جعفر بن أبي طالب أخذ راية رسول الله- صلى الله عليه وسلم- في غزوة مؤتة، فقاتل بها، حتى إذا أرهقه القتال اقتحم عن فرسه، فعقرها ثم قاتل، فقطعت يمينه، فأخذ الراية بيساره فقطعت فاحتضن الراية بعضديه، حتى قتل، وله ثلاث وثلاثون سنة، ووجد المسلمون ما بين صدره ومنكبيه وما أقبل منه تسعين جراحة، ما بين ضربة سيف وطعنة بالرمح، كلها من الأمام، ومات فتى الفتيان وهو يحنُّ إلى الجنة، ويتغنى بنعمائها، ويستهين بزخارف الدنيا.

هل يتصور هذا من غير عقيدة تتغلغل في الأحشاء؟ ونشوة إيمانية تسرى في العروق؟ ولذة روحية تتغلب على الشعور بالألم؟! (12).

إن هذا الشلال من الإيمان والاحتساب، ورجاء الأجر والثواب، والشوق إلى الجنة، والحنين إلى الشهادة، والحب لله ولرسوله وللمؤمنين، لا زال بكرًا، ولم يستخدم بعد، ولم يُقتبس منه هذا التيار المضئ المنير.

هذا التيار كان يستطيع أن يملأ العالم كله نورًا وبهاءً، ويحل كل مشكلة، ولكنه شلال مظلوم، إنه ضائع من قرون (13).

-----------
( ) البداية والنهاية 1/374– دار الفجر للتراث– القاهرة.
(2) مجلة ولدي الكويتية العدد (113) أبريل 2008، ربيع الآخر 1429.
(3) صحيح، رواه أبو داود، وصححه الألباني في صحيح الجامع الصغير (423).
(4) رواه ابن المبارك في الزهد (922).
(5) حسن رواه الترمذي، وحسنه الألباني في صحيح الجامع (7070).
(6) رسالة إلى أي شيء ندعو الناس ص37.
(7) المسئولية لمحمد أمين المصري ص39.
(8) المصدر السابق ص 31.
(9) المصدر السابق ص39.
(10) الإصابة في تمييز الصحابة لابن حجر 2/491.
(11) نفحات الإيمان للندوي ص 23.
(12) نفحات الإيمان للندوي ص 52، 53.
(13) نفحات الإيمان للندوي ص 23.

القلب معين الصفاء

الأستاذ عمر التلمساني يكتب : القـلب .. معين الصفاء


الأستاذ عمر التلمساني يخطب في-حضور وفد المجاهدين الأفغان
عجيب أمر هذا القَالَبِ الصنوبريِّ، الذي أودعه اللهُ صدورَ بني الإنسان! يصلح القلب فتصلح الدنيا معه, ويفسد القلب فيفسد العالم على أثره، ويتسع فيسع الدنيا وما فيها, ويضيق فكأنما يصعد صاحبه في السماء، أو يتنفس من سم الخياط, ويزكو القلب فلا يرى صاحبه في الوجود إلا خيرًا ونورًا, ويأثم فلا يرى في الكون إلا الظلمة والشرور, ويتجلى ربك ببسط على القلب فلا تجد فيه متسعًا لحقد أو ضغينة، ولا يشرق فيه نور الجمال القدسي فإذا به معترك الإحن والبغضاء.
فلا غرو في أن يقول العليم الخبير:"مَا وَسِعَنِي سَمَائِي وَلاَ أَرْضِي، وَلَكِنْ وَسِعَني قَلْبُ عَبْدِي المُؤْمِنِ"!! هذا القوي القاهر الذي لا يحيط الناس بشيء من علمه, يشرح فضاء هذا القلب، فينبسط لربه محبةً وألفةً، ووفاءً وإخلاصًا, ويحمل كل ما يلقاه من إخوانه وغيرهم على أجمل محل وأطهر غرض, و﴿قُلْ كُلٌّ مِّنْ عِنْدِ اللهِ﴾ (النساء: 78).
أجل إن النظرة الطاهرة الخالصة المخلصة، التي لا ترى في الوجود إلا الله, هذه النظرة النافذة المدققة لن تحجبها ظلمة الكون, ولا عتمة الهوى عن استخلاص أنصع ما في الحياة رحمةً وبرًّا وحنانًا، وما النظرة في رأيي إلا انعكاس أضواء القلب النقي على صفحة الوجه البريء؛ ألم يقل ربك: ﴿فَإِنَّهَا لاَ تَعْمَى الأبْصَارُ وَلَكِن تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ﴾ (الحج: 46).
أيها الأخ الحبيب : في الجسم مضغة "إِذَا صَلُحَتْ صَلُحَ الْجَسَدُ كُلُّهُ، وَإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الْجَسَدُ كَلُّهُ، ألاَ وَهِيَ الْقَلْبُ".. هذا هدي الصادق الأمين- صلوات الله وسلامه عليه- فاحرص على أن تجعله مهبط التجليات الربانية, والفيوضات الإلهية, والرحمات القدسية, والإمدادات النورانية, تعش سعيدًا هانئًا في خضم الحياة, ولا يجد الشيطان إلى مدخلك سبيلاً مهما استمر الخلاف واكفهر وجه الجدل، وآمِنْ بأن كل ما يصدر من إخوانك إنما يُبتغى به وجه الله ورضاء الرحمن, ولا تؤول ولا تجتهد, فَلأمرٍ ما يقول حبيب الله- صلوات الله وسلامه عليه-: "يا مُقلِّبَ القلوبِ ثبِّتْ قلبي عَلَى دينكَ"، وقانا الله وإياكم شر تقلبات القلوب.
أيها الحبيب : نقدم على ربنا يوم الدينونة الكبرى، طامعين في مَنِّه وقبوله, ولن يحظى بذلك الفضل من جاء ربه بعقل مستنير, أو عمل صالح, كلا وربي؛ إنما يفوز بذلك الإحسان من أتى الله بقلب سليم، ومن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد. أمعِن الفكر في تخير العليم الخبير للقلب، والقلب وحده محل للمناجاة ومستقر للمثوبة والرضوان.. تلمَّس مدى ما يفيضه القلب- والقلب وحده على صاحبه- من متعة وسعادة أو غير ذلك، إنك لا تحب إلا بقلبك، ولا تكره إلا به، إنك لا تميل بقلبك؛ فعالج هذا القلب الذى جعله الحبيب المحبوب- صلوات الله وسلامه عليه- ملهم الفتوى، ومرجع التقدير؛ حيث يقول: "اسْتَفْتِ قَلْبَكَ... وَإنْ أفْتاكَ النَّاسُ وَأفْتَوْكَ".
أيها الأخ الحبيب : لن يجتمع حب الله وبغض عباده في قلب رجل واحد, ولن يجتمع الرضا والسخط في قلب رجل واحد, ولن يمتزج التعاون بالتقاطع في قلب رجل واحد؛ فما جعل الله لرجل من قلبين في جوفه مهما اجتهد، وأخلص وتأول، مدعيًا سلامة القصد ونيل الغاية. أيها الأخ الحبيب : تجرد من الحياة المادية البحتة, ولا أقول تجردًا من تحكيم العقل والأخذ بموازينه والتقيد بمقاييسه الجافة الجامدة؛ فقد ترى في ذلك من الشطط ما لا تقره؛ ولكني أنصح بأن تقلل من التزام ذلك الجانب المادي ما أمكن, وكن عاطفًا ما استطعت، وحكم قلبك في كثير مما يعرض لك، فالتضحية عاطفة قبل أن تكون حكمة, والإيثار عاطفة قبل أن يكون خلقًا, والإقدام عاطفة قبل أن يكون رَوِيَّةً وتفكيرًا, ولا إخالك مجادلي في أن التضحية والإيثار والإقدام من أنبل ما تلقيناه عن السلف الصالح, ومن أسمى ما يجب أن يأخذ الأخ المسلم به نفسه.
وما أدق نظرة الصوفي إلى تلك الآية أنه أنزل من السماء ماء, وأن ذلك الماء قد أترع الأرض شبعًا ورِيًّا؛ فأنبتت من كل زوج بهيج.. ما أدق نظرته عندما يرى أن السماء رمز القدرة الإلهية, وأن مُزنها هو وابل الرحمات والنفحات, وأن الأرض هي القلب مستقر فيوضات الجمال والجلال, وأن النبات مختلف الألوان والأُكُل، ما هو إلا تلك الأحاسيس التي ينبض بها القلب الطيب الطاهر من سماحة وعفو ورضا وحب وتسامح.
ما أدق هذه النظرة وما أجلها! وما أحواجنا- بخاصة في ظروفنا هذه- إلى أن تنظر هذه النظرة، وأن نروض أنفسنا عليها؛ لعل الله جاعل هذه القلوب معين الصفاء ونبع الوفاء, ﴿وَمَا تَشَاءُونَ إِلاَّ أَن يَشَاءَ اللهُ﴾ (الإنسان: 30). أيها الأخ الحبيب : اجعل قلبك مدلهًا في حب إخوانك, عامرًا بالحب لهم, خالصًا لأخوتهم, متفانيًا في إعزازهم, حانيًا عليهم, ترَ من أعمالهم وأحوالهم ما لا يخطر لك ببال.
قلوب العاشقين لها عيون
ترى ما لا يراه الناظرونا
لست أدري- أو لعلني أدري- ما الذي جعلني أناجي القلوب بهذه الكلمات.. ولست أدري- أو لعلني أدري- ما الذي دفعني إلى حمل القلم في وقت انقطَعْتُ خلاله عن كل أعمال الدنيا ومشاغلها! قد يكون شعورًا قلبيًّا, وقد يكون غير ذلك؛ إنما الذي أعرفه وأُومِن به أنني خالص القلب ويميني تخط هذا الكلام.
﴿رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنتَ الْوَهَّابُ﴾

}

إلي الميدان

الأستاذ عبد الحكيم عابدين يكتب
إلي الميدان أيها الإخوان(*1)
أيها الإخوان : علمتنا حكمة التاريخ الأزلية أنه لاتنجح دعوة بغير تضحية ، ولايسود مبدأ دون بذل وافتداء ، وإن دعوتنا هذه التي هي ميراث رسول الله ، وتجديد للأمة علي تعاليمه وسنته لن تعز بنا ، ولن نعز بها حتي ننزل لها عن كل شيئ من مال ومتاع ونعيم كما نزل رسول الله والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار لدعوتهم عن كل لذة محببة ومتعة مشتهاه ،ولقد آمنا جميعا إيمانا نظريا بهذه الحكمة ، ولكننا لم نعرضها علي محك التجربة العملية .

أيها الإخوان : لابد من التصريح فما أكثر جنود الدعوة ، وأنضج إيمانهم بها ، وأبعد غيرتهم عليها وتفانيهم في خدمتها !!! ولكنهم لم يضعوا في حسابهم مايقتضيه هذا الإيمان ، ومايجب أن تثمره الغيرة والتفاني من بذل عملي للدعوة ، وتضحية جادة ملموسة في سبيلها ، ومن ثم فينبغي أن لاتلهينا أحوالنا عن تحمل الأعباء الحقيقية للدعوة والإستعداد للجهاد والتهيؤ لتقديم التضحية وتنظيم البذل 0

أيها الإخوان : إن هناك قاعدة عامة لايستسني منها أحد من الجنود ، وهي أن هذه الدعوة دانتهم وطوقت بالمآثر أعناقهم ‘إذ أنضجت مداركهم ، ووسعت أفق ثقافتهم ، وسمت بنفوسهم وسرائرهم ، وأكسبتهم الأخوة البررة والأصدقاء الأطهار ، وإذن فلنبدأ إن كنا جادين في الشعور بعبء الدعوة وبثقل تكاليفها بنزول الميدان فورا ، ولكن مع عدونا الأول ، مع خصمنا الكامن بين جنوبنا وضلوعنا مع أنفسنا نبدأ الصدام أيها الإخوان حتي نصل بها إلي المثل الذي نريد أن نطبع عليه الناس في المستقبل ، وحتي لايدركنا مقت الله الذي ينذر به قوله تعالي { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ 0 كَبُرَ مَقْتاً عِندَ اللَّهِ أَن تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ/الصف2 3 }0

أيها الإخوان : أقسم إنني أعتقد عقيدة لم يعد في الإمكان التحول عنها أننا لن ننال قلامة ظفر من نصر الله وتأييده حتي نقطع الفراسخ الطويلة من الإنتصار علي نعيمنا وشهواتنا ومتاع دنيانا ، بل لعلي أري من التبجح العجيب وعدم الإستحياء من مقام المولي –عز وجل- أن يظن أحد أننا بمثل هذا الجمود نستو جب شيئا من تأييد الله وولاء رسوله –صلي الله عليه وسلم – وإنما استوجب أسلافنا ذلك لابالإيمان القلبي النائم ، ولكن بما كان يحرك النفوس فتسخوا ، ويثير العواطف فتبذل ، ويهز المشاعر فتجود ، سواء في ذلك وقت السلم ووقت الحرب ، فما أمس حاجة الدعوة في كليهما إلي البذل والإنفاق 0

أيها الإخوان : ينبغي أن يعين سهم ثابت في دخل كل واحدمن الإخوان ،ويسمي سهم الدعوة ، ويتم اخراج هذا السهم بانتظام تام من دخلهم سواء كان هذا الدخل سنويا أو شهريا ، وليس هناك مجال للقول بأن هذه طريق يظلم بها فقراء الإخوان لأننا اقترحنا نسبة من الدخل ، ولم نحدد قدرا معينا من المال ، وبالتالي يسهل اخراجه من الغني والفقير .

أيها الإخوان : قد يكون من العقبات أن كثيرا من الإخوان رتبوا حياتهم علي مواردهم ، فمن العسير عليهم مخالفة هذا الترتيب ، وأنا أعتقد أن الذي ألف المعيشة بقدر معين من المال يستطيع المعيشة بماهو دونه قليلا دون أن يغير شيئا ذا بال من مألوف حياته ، ولو أن ذلك يجب أن يكون تمهيد ا للثورة علي هذا المألوف كله ، ومرقاة من سلم الوصول إلي أعلي درجات الإيمان التي يخرج فيها الأخ عن كل مايملك لله ورسوله 0
(*1)-الكلمة الأولي التي بدأبموجبها فكرة سهم الدعوة وذلك في جماددي الآخرسنة 1357هـ الموافق أغسطس 1938م –

أيها الإخوان : إذا لم يكن هذا كافيا لإقناع الإخوان بضرورة الإلتزام بهذا النظام ، فقولو لي - بربكم – علي أي أساس دخلنا الدعوة ، وشاركنا الجماعة ، وأعطينا البيعة ؟! ، هل دخلناها علي أن يظل كل منا نؤوم الضحي ثقيل الخطي قليل الهدي ؟! ، ولم كان إذا الهتاف بالجهاد ؟!والصراخ بالشهادة ؟! والإعلان في كل مجلس ومحفل{إِنَّ اللّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الجَنَّةَ/التوبة 111}‏ ؟!0

أيها الإخوان : قد يقال إن هذا كله معقول ، بيد أنه غير ممكن التحقق في وقت السلم والهدوء ، لأن أشق الأمور علي النفس أن تنزل عما تملك وهو في يدها ، بيد أنها تحتمل كل فاقة حين تحرم متاعها !
لكن وماذنبي أيها الإخوان إذا كان هذا الأمر لايتم تمام الإيمان إلا به ، ومرتبة لايستطيع القائد أن يحمل جنوده إلا إذا بلغوها ، وهاهو ذا نبي الله طالوت لم يبرز لجالوت وجنوده إلا بعد أن عرض رجاله علي النهر عطاشا أحوج مايكونوا إلي الماء ليمتحن إيمانهم ، ويمحص استعدادهم للتضحية بمتاع نفوسهم {فَمَن شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي وَمَن لَّمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي/البقرة :249 }0
وإن أموالنا ملك أيدينا لهي مادة الإمتحان الذي يختبرنا به الله –عزوجل- كما كان النهر مادة الإمتحان لجند طالوت العطاش ، فمن أفرد نفسه بماله فليس منا ، ومن آثر الله ورسوله فإنه منا 0

أيها الإخوان : قبل اختتام هذه الكلمة أحب أن أذكر حضراتكم أن سهم الدعوة يجب ألا يظل القدر المحدد فقط ، بل يجب أن تطرد زيادته ماتطلبت الدعوة ذلك ، والله –عزوجل- كفيل بأن يبارك القلة التي تبقون عليها لأنفسكم وذويكم حتي يكون مثلها كمثل مائدة جابر -رضوان الله عليه - ، تأكل منها مئات الأيدي ، فلايدركها النفاد {وَمَا آتَيْتُم مِّن زَكَاةٍ تُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُضْعِفُونَ/الروم :39}0
وليحذر الإخوان الأحباء –للمرة الأخيرة- كيد الشيطان أن يغريهم بالإقلال أو الإستعفاء من هذا العبء الجديد ، يزين لهم التخلف عن تلك الخطوة الجادة ، إلا أن يكون أحدهم من المعدمين الذين لايجدون فضلا عن إقامة الأود ، وبلوغ الكفاف ، فأولئك ماعليهم من سبيل {وَلاَ عَلَى الَّذِينَ إِذَا مَا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لاَ أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَلَّواْ وَّأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَناً أَلاَّ يَجِدُواْ مَا يُنفِقُونَ ‏ إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ وَهُمْ أَغْنِيَاء رَضُواْ بِأَن يَكُونُواْ مَعَ الْخَوَالِفِ وَطَبَعَ اللّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ /التوبة 92 ،93 }‏

· إلي هنا انتهي المقال ، ولكن هل يعلم الإخوان ماكان قيمة سهم الدعوة يومئذ ، لقد كان الخمس إعمالا لقول الحق تبارك وتعالي ، { وَاعْلَمُواْ أَنَّمَا غَنِمْتُم مِّن شَيْءٍ فَأَنَّ لِلّهِ خُمُسَهُ/الأنفال 41 }
أي بمايعادل (20 % من الدخل )
· وهل تعلمون كم كان يدفع الإمام البنا ، كان يدفع الثلث ، أي بمايعادل أكثر من (33% )
· فهل نعجز عن اخراج القليل المطلوب منا للدعوة ولإخواننا في فلسطين ، {هَاأَنتُمْ هَؤُلَاء تُدْعَوْنَ لِتُنفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَمِنكُم مَّن يَبْخَلُ وَمَن يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَن نَّفْسِهِ وَاللَّهُ الْغَنِيُّ وَأَنتُمُ الْفُقَرَاء وَإِن تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ /محمد : 38}‏0