الدولة والإخوان بين ثورتين
26/03/2013 - 5:12pm
شاركت جماعة الإخوان المسلمين في ثورتين؛ ثورة يوليو 1952، التي بدأت كانقلاب عسكري، ثم تحولت إلى ثورة شعبية بحكم التأييد الشعبي لها، وثورة يناير 2011، التي بدأت كثورة شعبية، واستمرت كذلك. واختلف دور جماعة الإخوان المسلمين في الثورتين؛ ففي ثورة يوليو، طلب تنظيم الضباط الأحرار بقيادة جماعة عبد الناصر، من الإخوان المسلمين، تأييد حركة الجيش، وكان عبد الناصر نفسه، عضوًا في الجناح العسكري لجماعة الإخوان، وأصبح في بعد ذلك مسئولاً عنه، ثم ترك الجماعة بالاتفاق معها، حتى يتمكن من تجميع ضباط من مختلف الاتجاهات، وحتى لا يكون لتنظيم الضباط الأحرار توجه إسلامي ظاهر. وأيدت جماعة الإخوان المسلمين حركة الجيش منذ اللحظة الأولى، بعد اتفاق تم قبل بداية الحركة مع جمال عبد الناصر. وكان من أهم الأدوار التي قامت بها جماعة الإخوان، أنها مهدت سريعًا لتحول الحركة إلى ثورة تلقى تأييدًا شعبيًّا، لأنها كانت أول كيان شعبي يؤيد الثورة ويحشد لها.
ولكن الاختلاف بين حركة الضباط الأحرار وجماعة الإخوان المسلمين، كان حتميًّا في النهاية، لأن حركة الضباط الأحرار لم تكن تحمل مشروعًا إسلاميًّا، وجماعة الإخوان المسلمين تحمل مشروعًا إسلاميًّا، حاولت حركة الضباط الأحرار، أن تقنع الإخوان أن مشروعها إسلامي، ولكن هذا لم يكن حقيقيًّا، وهو ما تأكد في الأيام الأولى للثورة. فقد كانت حركة الضباط الأحرار، تحاول بناء الدولة القوية والجيش القوي، على النمط الحديث المستمد من الغرب. كما أن حركة الضباط الأحرار، شُكلت على أساس أن لا تكون لها هوية سياسية محددة، وجمعت اتجاهات مختلفة، وكان منها بالطبع من انتمى لجماعة الإخوان المسلمين، مثل جمال عبد الناصر.
لذا لم يكن المشروع يوحد بين حركة الضباط الأحرار وجماعة الإخوان المسلمين، ولم تكن حركة الضباط مستعدة لفتح الباب أمام تنافس المشاريع المختلفة، ولم تكن مستعدة بالطبع لفتح الباب أمام المشروع الإسلامي فقط، بل كانت في الواقع تميل لحصر القيادة في النخبة العسكرية، لتبني المشروع الذي تحمله الحركة، وهو لم يكن مشروعًا واضحًا أو محددًا من البداية، ولكنه تشكل عبر الوقت.
والثابت الوحيد في توجه حركة الضباط الأحرار، كان بناء الدولة وتحقيق التنمية، بعيدًا عن الممارسة السياسية الديمقراطية، وعلى نمط الدولة الحديثة في الغرب، لذا كان توجه جمال عبد الناصر في الخمسينات رأسماليًّا، ثم تحول ببساطة إلى التوجه الاشتراكي في الستينات، لأن توجهه قام أساسًا على توازنات القوى الدولية، وارتبط بالقوة التي تسانده دوليًّا، فتبنت دولة يوليو، التوجه السياسي للقوى الدولية التي تساندها، واستمر هذا في عهد السادات ثم مبارك، فكان الانتقال بين الرأسمالية والاشتراكية، متوقفًا على القوى الدولية التي تساند دولة يوليو وحكامها.
لم تكن دولة يوليو مشروعًا للانفصال عن النموذج الغربي السياسي، ولم تكن مشروعًا للتحرر الحضاري، ولم تكن مشروعًا للاستقلال الكامل عن القوى الدولية، بل كانت فقط مشروعًا للتحرر من الاستعمار العسكري، وبهذا لم يكن طريق دولة يوليو مناسبًا أو متفقًا مع طريق جماعة الإخوان المسلمين، مما جعل الصدام والخلاف حتميًّا. ولم يخلُ عهد من عهود دولة يوليو من صدام مع جماعة الإخوان المسلمين. وكان كل عهد يبدأ بهدنة مع الإخوان، وينتهي بالصدام معها؛ بدأ عبد الناصر حركته بمشاركة الإخوان، وانقلب عليهم سريعًا، لأنهم في الواقع كانوا قوة موازية لحركته، وربما أكثر قوة وحضورا من حركة الضباط الأحرار.
وبدأ أنور السادات عهده، بهدنة مع جماعة الإخوان، استمرت في غالب عهده، لأنه اعتمد على إستراتيجية التوازنات السياسية أكثر من إستراتيجية الإقصاء السياسي، ولكن في النهاية اصطدم مع الجماعة، لاختلاف المشاريع والتوجهات، عندما اصطدم مع كل القوى الأخرى، ولم يكن عهد حسني مبارك مختلفًا، فقد بدأ بهدنة مع الإخوان، استمرت لأكثر من عقد من الزمان، ثم انقلب عليها، عندما رأى أن قوتها تتمدد على الأرض، وسوف تصبح منافسًا حتميًّا له.
وفي جوهر هذا الصراع، كان اختلاف المشروع هو سبب الصراع المستمر والممتد. فدولة يوليو لم تكن مشروعًا إسلاميًّا، ولا مشروعًا للاستقلال الحضاري، ولم تكن إلا إعادة إنتاج محلي للدولة القومية القطرية، أي الدولة المستوردة، التي أقامها الاستعمار في مصر، كما أقامها في غالب الدول العربية والإسلامية. لذا كان الخلاف الأبرز، بين جماعة الإخوان المسلمين ودولة يوليو، عبر كل عهودها، هو الموقف الحضاري، بين حركة تتبنى الاستقلال الحضاري الكامل، وبناء النهوض الحضاري الإسلامي، وبين دولة تتبنى التبعية الحضارية، وإن تبنت الاستقلال السياسي مرحليا، ولم تستطيع تحقيقه في النهاية، فلم تعد مشروعا للاستقلال فعلا.
وعبر كل هذا التاريخ الممتد من الصراعات والصدامات، جاءت ثورة يناير، وشاركت فيها جماعة الإخوان المسلمين، وكانت العمود الفقري، أو الجزء المنظم القوي القادر على حماية الثورة في جميع مراحلها. فكما أن جماعة الإخوان المسلمين، خاصة في مصر، تمثل العمود الفقري للمجتمع، أي النواة الصلبة له، كذلك كانت الجماعة هي النواة الصلبة للثورة الشعبية المصرية، في جميع مراحلها.
ولأن الثورة المصرية كانت ثورة شعبية، لذا لم تكن لها قيادة، ولم يكن لها برنامج سياسي محدد، ولم تكن ثورة قامت بها الدولة، ولا انقلابًا عسكريًّا، مما جعلها ثورة المجتمع كله، لينال حريته. فهي ثورة بلا رؤية سياسية محددة، تضع القواعد الأساسية للحرية، وتفتح الطريق أمام تشكل دولة جديدة، ونظام سياسي جديد، حسب الخيارات الشعبية. فثورة يناير، تعد ثورة لتحرير الإرادة الشعبية، لتصبح مصدرًا للسلطات، مما يمكن المجتمع من تحقيق المستقبل الذي يريده، من خلال خياراته الحرة.
هنا تغير الصراع، وبدأت مرحلة الصراع المفتوح، أي الصراع الذي لا تحكمه قواعد محددة، أو مسار محدد، فهو صراع بين مكونات الماضي وميراثه، وفي نفس الوقت هو صراع بين كل مكونات الحاضر، وأيضا هو صراع حول المستقبل.
بين يوليو ويناير
ظل الصدام مستمرًّا بعد ثورة يوليو، بين النواة الصلبة للدولة، والنواة الصلبة للمجتمع، أي بين القوات المسلحة وجماعة الإخوان. وإن كان هذا الصراع ظهر للسطح في مرات وتوارى مرات أخرى، لكنه كان الصراع الأهم. فالنواة الصلبة للدولة، مثلت في الواقع المالك الحقيقي لها، وأصبحت الدولة والنظام السياسي مستندًا على القوات المسلحة، نظريًّا وعمليًّا، وأصبحت النواة الصلبة للدولة، هي التي تحمي الدولة والنظام، وهي التي خرج منها النظام، ويأتي منها رأس النظام. وكانت مشكلة النواة الصلبة للدولة، في وجود نواة صلبة للمجتمع، تشكل قوة موازية لها، ولها حضور اجتماعي. وكانت مشكلة دولة يوليو أساسًا، في وجود مجتمع قوي، يمكن أن يقبل سياسات الدولة أو يرفضها، وكان وجود عمود فقري للمجتمع، أي نواة صلبة له، يمثل تهديدًا مباشرا لهيمنة دولة يوليو على المجتمع المصري.
ظل الصدام مستمرًّا بعد ثورة يوليو، بين النواة الصلبة للدولة، والنواة الصلبة للمجتمع، أي بين القوات المسلحة وجماعة الإخوان. وإن كان هذا الصراع ظهر للسطح في مرات وتوارى مرات أخرى، لكنه كان الصراع الأهم. فالنواة الصلبة للدولة، مثلت في الواقع المالك الحقيقي لها، وأصبحت الدولة والنظام السياسي مستندًا على القوات المسلحة، نظريًّا وعمليًّا، وأصبحت النواة الصلبة للدولة، هي التي تحمي الدولة والنظام، وهي التي خرج منها النظام، ويأتي منها رأس النظام. وكانت مشكلة النواة الصلبة للدولة، في وجود نواة صلبة للمجتمع، تشكل قوة موازية لها، ولها حضور اجتماعي. وكانت مشكلة دولة يوليو أساسًا، في وجود مجتمع قوي، يمكن أن يقبل سياسات الدولة أو يرفضها، وكان وجود عمود فقري للمجتمع، أي نواة صلبة له، يمثل تهديدًا مباشرا لهيمنة دولة يوليو على المجتمع المصري.
فقد كانت إستراتيجية دولة يوليو تعتمد على الهيمنة الكاملة على المجتمع، وعلى إضعاف المجتمع في مقابل تقوية الدولة، حتى لا يكون هناك أي توازن بين قوة الدولة وقوة المجتمع، وحتى لا يستطيع المجتمع الوقوف في وجه الدولة، أو في وجه رأس النظام. ولأن دولة يوليو، أسست للهيمنة الكاملة والسيطرة الكاملة، باعتبارها منهجًا للسلطة، لذا كان وجود جماعة الإخوان المسلمين، يمثل تحديًا مباشرًا لسلطة وهيمنة الدولة. لأن الجماعة تمثل نواة صلبة، قادرة على تقوية المجتمع، وقادرة على تحريك المجتمع.
وبالفعل أثبتت التجربة التاريخية، أن دولة يوليو استطاعت تفكيك كل مؤسسات ومكونات المجتمع، وإضعاف كل قدرات المجتمع، وتعطيل العمل الأهلي، والقدرات المحلية للمجتمعات، وتعطيل كل قدرة للمجتمع على بناء نفسه، لكنها فشلت في تفكيك جماعة الإخوان المسلمين، فظلت الجماعة تمثل نواة صلبة عصية على أي تفكيك، حتى في أحلك المراحل.
ولم يكن هذا مصادفة، فقد كانت جماعة الإخوان المسلمين، تدرك أن قوتها أنّها تحمل فكرة، ولها تنظيم. وكانت تدرك أن التنظيم القوي هو القادر على حماية المشروع والحفاظ على الفكرة، والعمل على إبقاء الفكرة حية، فجماعة الإخوان لم تكن مجرد فكرة، تظهر وتختفي، بل كانت فكرة يحملها تنظيم، يحافظ على بقاء الفكرة، وكانت الجماعة تدرك أن التنظيم القوي، هو القادر على البقاء، رغم كل التحديات التي يواجهها. ولهذا ركزت الجماعة على التنظيم القوي المترابط، والقادر على الاستمرار والبقاء ومواجهة التحديات، والقادر على الاستمرار، عبر كل الظروف.
بهذا، أصبحت جماعة الإخوان المسلمين بالفعل، نواة صلبة في المجتمع، لم يستطع أحد تفكيكها، حتى إذا جاءت ثورة يناير، وخرجت النواة الصلبة إلى الشارع، تشارك في الثورة وتحمي الثورة، وتلتقي مرة أخرى وجهًا لوجه مع النواة الصلبة للدولة، وفي الشارع، بعد اللقاء الأول، في الأيام الأولى لثورة يوليو، عندما خرجت قوات الجيش إلى الشارع، وخرجت جماعة الإخوان المسلمين إلى الشارع أيضا، لتحمي حركة الجيش.
في هذه المرة، خرجت القوات المسلحة، لتحمي حركة الشعب، وبداخله جماعة الإخوان المسلمين.
في المرة الأولى، كانت الحركة للجيش والتأييد من الشعب، وفي المرة الثانية، أي في ثورة يناير، كانت الحركة للشعب، والتأييد من الجيش.
وفي المرة الأولى، خرجت جماعة الإخوان لتأييد حركة الجيش، وفي المرة الثانية خرج الجيش لتأييد الشعب، ومنه جماعة الإخوان المسلمين.
وبهذا اكتملت الدائرة، وأصبحنا أمام مرحلة جديدة بالفعل، فلم يكن من الممكن أن تنتهي المرحلة الأولى، بغير هذا اللقاء الرمزي، الذي جمع النواة الصلبة للدولة، والنواة الصلبة للمجتمع، مع تغير الأدوار، فأصبح الفاعل حاميا، وأصبح الحامي فاعلا، فبدأت مرحلة جديدة، وصفحة جديدة، هي صفحة الصراع بين دولة يوليو، ودولة يناير.
المصدر: موقع علامات أون لاين.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق